«الاستئناف»: وقف الحضانات خلال «كورونا» جاء ضرورة لحماية الأطفال وأسرهم
• المحكمة أكدت صحته وفقاً للدستور والقانون وانتفاء خطأ الإدارة معه
• قرارات الحكومة خلال الجائحة تخضع للقضاء وليست من أعمال السيادة
أيدت محكمة الاستئناف الإدارية، برئاسة المستشار بدر الطريري، حكم الدائرة الإدارية برئاسة المستشار خالد العسعوسي، برفض دعوى التعويض المقامة من إحدى الحضانات بطلب التعويض ضد الحكومة، على خلفية تعطيل عملها خلال فترة جائحة كورونا.وقالت الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية، عن رفضها للدعوى، إن الحالة الواقعية التي صدرت بها هذه القرارات متحققة وواقعة، وتعد حالة ضرورة في تكييفها القانوني الصحيح، تستوجب اتخاذ إجراءات وتدابير خاصة واستثنائية لمواجهتها، ومن تم يكون قرار وزارة الشؤون الاجتماعية بتعطيل الدراسة في دور الحضانة الخاصة منذ بدء ظهور وتفشي الفيروس وحتى الآن قد صدر بغية المحافظة على الصحة العامة للأطفال وأولياء أمورهم من المواطنين والمقيمين، وفق صحيح أحكام الدستور والقانون، وهو ما ينهار معه ركن الخطأ الموجب لمسؤولية الجهة الادارية.
أكدت الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية برئاسة المستشار خالد العسعوسي أن الحضانة رافعة الدعوى تهدف إلى طلب الحكم بقبولها شكلا، وفي الموضوع بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم بأن يؤدوا لها التعويض الجابر عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بها جراء القرارات الصادرة بتعطيل الدراسة في كل الحضانات الخاصة الخاضعة لإشراف وزارة الشؤون كأحد التدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، وإلزامهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
أعمال السيادة
ولفتت المحكمة الى انه عن الدفع المبدى من الحاضر عن الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، تأسيسا على أن قرارات مجلس الوزراء بتعطيل العمل في الوزارات والجهات والمؤسسات العامة بالدولة لمجابهة جائحة كورونا -محل طلب التعويض- تعد من أعمال السيادة.واضافت أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن المشرع لم يورد تعريفا أو تحديدا لأعمال السيادة التي نص في المادة الثانية من القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء – على منع المحاكم من نظرها – فإنه يكون قد ترك أمر تحديدها للقضاء اكتفاء بإعلان مبدأ وجودها، ومن ثم تكون المحاكم هي المختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من الحكومة، وما إذا كان يعد من أعمال السيادة، وحينئذ لا يكون لها أي اختصاص بالنظر فيه، ومحكمة الموضوع تخضع في تكييفها هذا لرقابة محكمة التمييز.وأشارت إلى أنه «ولئن كان يتعذر وضع تعريف جامع مانع لأعمال السيادة أو حصر دقيق لها إلا أن ثمة عناصر تميزها عن الأعمال الإدارية العادية، أهمها تلك الصبغة السياسية البارزة فيها لما يحيطها من اعتبارات سياسية فهي تصدر من الحكومة بوصفها سلطة حكم وليس بوصفها سلطة إدارية، فينعقد لها في نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا في اتخاذ ما ترى فيه صلاحاً للوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء أو بسط الرقابة عليها منه».قرارات إدارية
وأوضحت المحكمة أن القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء بتعطيل العمل بجميع الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات العامة بالدولة اعتبارا من 11/3/2020 وحتى 30/6/2020، وكذلك القرارات الصادرة بتعطيل الدراسة بكل الحضانات الخاصة الخاضعة لإشراف وزارة الشؤون لمجابهة جائحة كورونا - محل طلب التعويض الماثل - هي قرارات إدارية اتخذتها الحكومية بوصفها سلطة إدارة بغرض الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين والمقيمين بالبلاد، ومن ثم فإنها تكون قرارات إدارية خاضعة لرقابة قاضي المشروعية، ويكون طلب التعويض عنها هو الآخر داخلا في صميم الاختصاص الولائي لهذه المحكمة، الأمر الذي يضحى معه هذا الدفع مفتقدا لسنده الصحيح جديرا بالرفض.وبينت أن المستقر عليه ان جهة الإدارة في أدائها لوظيفتها إنما تعبر عن إرادتها بقرارات قد تصدر بناء على سلطة تقديرية، حيث يخولها القانون مطلق التقدير في ملاءمة التدخل أو الامتناع واختيار وقت هذا التدخل وكيفية وفحوى القرار الذي تتخذه، أو أن تكون سلطتها مقيدة، حيث لا يترك لها المشرع حرية التقدير سواء في المنح أو الحرمان، بل يفرض عليها بطريقة آمرة التصرف الذي يجب عليها اتخاذه متى توافرت الضوابط الموضوعية بخصوصه، وتتمثل الرقابة القضائية بالنسبة إلى القرارات الصادرة بناء على السلطة المقيدة في التحقق من مطابقة هذه القرارات للقانون أو عدم مطابقتها، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهت إليها هذه القرارات.واستطردت: «أما بالنسبة إلى القرارات المبنية على سلطتها التقديرية فإن تلك الرقابة إنما تجد حدها الطبيعي في التأكد من أنها صدرت بباعث من المصلحة العامة، وغير مشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة، ومن المقرر أن هذا العيب من العيوب القصدية، وأنه لا يفترض وإنما يقع على المدعي إثباته وتقديم الدليل عليه، وأنه ولئن كانت الحكومة غير ملزمة بتسبيب قراراتها ما لم يلزمها القانون بذلك، فإن المفروض في هذه القرارات أنها صحيحة تبتغي المصلحة العامة وعلى من يدعي العكس إقامة الدليل، وتبقى قرينة الصحة قائمة لا تزايلها لمجرد عدم تسبيبها، وبهذه المثابة فهي تحمل على قرينة المشروعية ما لم يقم على دحض هذه القرينة الدليل العكسي».إجراءات احترازية
وقالت المحكمة إن المدعية أقامت دعواها طالبة الحكم بإلزام المدعى عليهم بصفتهم بأن يؤدوا لها التعويض الجابر للأضرار المادية الفعلية التي لحقت بها جراء القرارات الصادرة بتعطيل الدراسة بكل الحضانات الخاصة الخاضعة لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية -ومن بينها الحضانة الخاصة بها- ولما كان ذلك وكان الثابت من التقارير المتوالية لمنظمة الصحة العالمية أن «كوفيد 19» هو مرض معد يسببه فيروس كورونا المستجد، الذي اكتشف أول مرة في ديسمبر 2019، ويتسبب في حدوث التهابات تنفسية حادة، إذ يصيب رئتي الإنسان بصورة مباشرة ويفتك بالجهاز التنفسي بأكمله، وحتى الآن لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100 في المئة للوقاية منه، كما لا يوجد دواء لعلاجه باستثناء التعامل المحدود مع بعض أعراضه.وتابعت: «إزاء ذلك كله فإنه بموجب أحكام الدستور والقانون وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادقت عليه أغلب دول العالم ومنها الكويت، فإنه «يحق لكل إنسان التمتع بأعلى مستوى من الصحة»، وهو ما تضحى معه الحكومات – بطبيعة الحال - ملزمة باتخاذ التدابير الفعالة للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها».واستدركت: «أمام هذا الواقع اتخذت الكويت بعض الإجراءات الاحترازية لمواجهة تلك الجائحة حفاظاً على صحة المواطنين؛ ووضع وزير الصحة العديد من الإجراءات والتدابير الصحية التي من شأنها الحد والتقليل من انتشار هذا الوباء بين أفراد المجتمع، كما أصدر كل وزير فيما يخص وزارته العديد من القرارات والإجراءات اللازمة لتنفيذ تلك الاشتراطات الصحية، وبما يتفق والسياسة العامة للدولة في هذا الشأن، والتي أقرها مجلس الوزراء ووافق عليها، ومن بين تلك الإجراءات والتدابير القرار الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية بتعطيل الدراسة بدور الحضانة الخاصة، للحد من الاختلاط بين الأطفال بتلك الحضانات وطلبة المدارس وغيرها، كإجراء احترازي الهدف منه منع انتشار هذا الفيروس، وتوالت بعد ذلك قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن بتعطيل العمل في الوزارات والمصالح الحكومية وحظر التجوال الجزئي ثم الكلي ثم الجزئي مرة أخرى في جميع أنحاء البلاد».مقاصد الشريعة
وأفادت المحكمة بأنه ولما كانت الحياة الإنسانية هي أغلى ما يمكن للحكومات والدول والمجتمعات والمؤسسات المحافظة عليها، فحفظ النفس يعد أولى مقاصد الشريعة الإسلامية، وسابق على حفظ الدين لأنه بغير الإنسان لا تقوم الدنيا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جمعيا، وفي إطار مسؤوليات الدولة بالحفاظ على صحة المواطنين والمقيمين وحياتهم فقد قامت بكل الإجراءات التي سايرت توصيات منظمة الصحة العالمية وكذلك المؤسسات الصحية الوطنية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية، وصدرت استنادا لذلك قرارات مجلس الوزراء سالفة البيان للحد من تفشي الوباء، ومن ثم تكون الحالة الواقعية التي صدرت هذه القرارات استنادا لها متحققة وواقعة، وتعد حالة ضرورة في تكييفها القانوني الصحيح، تستوجب اتخاذ إجراءات وتدابير خاصة واستثنائية لمواجهتها.وأردف: «ومن ثم يكون القرار الصادر من وزارة الشؤون الاجتماعية بتعطيل الدراسة بدور الحضانة الخاصة منذ بدء ظهور وتفشي الفيروس وحتى الآن قد صدر بغية المحافظة على الصحة العامة للأطفال وأولياء أمورهم من المواطنين والمقيمين وفق صحيح أحكام الدستور والقانون، وهو ما ينهار معه ركن الخطأ الموجب لمسؤولية جهة الإدارة، وتنهار تبعا لذلك باقي أركان المسؤولية الإدارية، وينتفي بالتالي مناط مساءلة الجهة الإدارية عن أي أضرار لحقت بالمدعية جراء قرارات مجلس الوزراء سالفة البيان، وتضحى هذه الدعوى مفتقدة لسندها الصحيح، وهو ما تقضي معه المحكمة برفضها».بدورها، أكدت محكمة الاستئناف الإدارية، برئاسة المستشار بدر الطريري، أن أساس الضرر، وهو ما يسمى بنظرية التعويض على أساس المخاطر (المسؤولية الإدارية دون خطأ)، والتي يرجع الفضل في تطورها وإرساء قواعدها وأحكامها ومبادئها الى مجلس الدولة الفرنسي، من خلال قضائه الإنشائي، وتدخل المشرع الفرنسي أحيانا للتعويض على أساس المخاطر، وهي نظرية تقوم على التزام الإدارة بتعويض الأفراد المتضررين من نشاط الإدارة حتى ولو كان هذا النشاط الذي نتج عنه ضرر يتسم بالمشروعية، إذ إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة وقضاء محكمة التمييز أنه يلزم للتعويض توافر عناصر المسؤولية الادارية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر.خطأ الإدارة
ولفتت إلى أنه يقصد بالخطأ صدور قرار الإدارة بالمخالفة لأحكام القانون، ومعيب بأحد العيوب المنصوص عليها في المادة 4 من قانون إنشاء الدائرة الإدارية، وان يترتب على هذا الخطأ إصابة ذوي الشأن بضرر، سواء كان ماديا يتمثل فيما فات صاحب الشأن من كسب وما لحقه من خسارة، أو أدبيا يتمثل في مشاعر الحزن والأسى والألم النفسي الذي اعتراه، وأن يكون هذا الضرر مباشرا وناتجا عن خطأ الإدارة على وجه يقيم علاقة السببية بينهما، الأمر الذي يضحى معه هذا النعي حابط الأثر فاقدا لسنده خليقا برفضه، بما يضحى معه الاستئناف الماثل برمته فاقدا لسنده، ويتعين رفضه وتأييد الحكم المستأنف.● حسين العبدالله
المحكمة رفضت دعوى تعويض إحدى الحضانات على خلفية تعطيل عملها خلال الجائحة
إذا كانت الحياة الإنسانية أغلى ما يمكن للحكومات والدول والمؤسسات المحافظة عليه فحفظ النفس يعد أول مقاصد الشريعة
إذا كانت الحياة الإنسانية أغلى ما يمكن للحكومات والدول والمؤسسات المحافظة عليه فحفظ النفس يعد أول مقاصد الشريعة