لم يعد البلد يحتمل مزيداً من الأخطاء والتجارب، ولا مزيداً من المجاملات والتهاون، ولا مزيداً من التفرج والمتابعة، ولا مزيداً من المكاسب الشخصية والمنافع الذاتية، فكلنا، بلا استثناء؛ السلطة، والشعب، والقوى السياسية، والنخب والشخصيات العامة والخاصة، والنساء والأطفال، مهددون بوجودنا وباستمرار وبقاء وطننا، لأن الجميع، وأقول الجميع، كلٌّ حسب موقعه وإمكاناته، شريك في ما آلت إليه حال الكويت، البعض بأفعاله، والبعض بأقواله، وآخرون بخوفهم، وغيرهم بصمتهم، والبعض بتبريرهم، وغيرهم بأنانيتهم.وفي مقدمة من يقع اللوم عليهم السلطة، والحكومات المتعاقبة، وكل التيارات والقوى السياسية والفكرية والثقافية، والشخصيات والنخب السياسية الفاعلة في الستين سنة الماضية.
وأخص بحديثي القوى والشخصيات السياسية الإصلاحية:وأقول للإصلاح أساسيات، فبدايته مراجعة تجربتكم والإقرار بأخطائكم!ومن ينزه نفسه عن الأخطاء ويدّعي المثالية، فلا التقاء لنا معه، ولا ندخله في عداد القوى والشخصيات المُصلحة، فقد تابعنا أعمالكم وأقوالكم وأطروحاتكم، وتحالفاتهم، وترتيباتكم السياسية، وقد شهدنا أخطاءً ورصدنا تجاوزات، وسجلنا تحالفات محقة وأخرى مؤلمة، وراقبنا أعمالاً وطنية، ولاحظنا انحيازات مؤذية، وأدركنا موازنات معقولة، وأذهلتنا مساومات معلولة.فقد كنتم شركاء في تدهور أوضاع البلد، بالمرحلة السابقة، فلم يقف الفساد وتدهورت مؤسسات الدولة رغم وجودكم، وما لديكم من سلطات وما حزتموه من أغلبيات. كل ذلك حدث بوجودكم وعلى مسمع أو مرأى منكم، لأنه لم يكن لديكم برنامج سياسي، ولا أولويات وطنية لإصلاح البلد، فكانت تحركاتكم طموحات شخصية، وتحقيق زعامات سياسية، وأحياناً نزعات أنانية أو منافسات سلبية وغير منطقية، أو مكاسب انتخابية صرفة، أو دوافع فئوية ضيقة بكل أنواعها.ولذلك أنتم مارستم كل ما سبق أو جزءاً منه، فلم تنجح جهود الإصلاح لأنها، خطابية، أو آنية، أو مجازية، أو فردية، أو مبعثرة، ولكن لا يزال الإصلاح ممكناً، وفي الوقت متسع.إن الإصلاح بحاجة المجموع لا الأفراد، فقد أسرنا العمل الفردي في غالب الأحيان، وكنا وكان البلد معنا ضحية له، وكان علينا دائماً التعامل مع 50 نائباً، لا مجاميع نيابية، ولا كتل ولا تجمعات لهشاشتها، إن وجدت أصلاً، أو أن نتعامل مع 16 وزيراً لا حكومة، لأن مؤسسية ما يسمّى مجلس الوزراء قد فُككت، ونتعامل مع أفراد في أسرة حكم لا مع مؤسسة حكم، فانعكست وسادت الفردية على كل مسارات عملنا السياسي والعام، وأظنه، حسب تقديري، أمراً تم غرسه ورعايته ودعمه مبكراً، حينما أدركوا مخاطر العمل الجماعي وأثره الإيجابي في الإصلاح، وأنه بدأت تتبلور قيمة الفرد بحسن أدائه الجمعي والمجتمعي. ففتتوا الناخبين، وعززوا الترشح الفردي، وجزّأوا التصويت، وزادوا من الزعامات حتى يكسر الفخار نفسه، وقللوا من قيمة كل المؤسسات التمثيلية، أندية، وجمعيات نفع عام، وجمعيات تعاونية، ونقابات، واتحادات، وكانت البداية بمجلس الأمة.وغذّوا كل النزعات التفتيتية للمجتمع (فئوياً وقبلياً وطائفياً ومناطقياً)، فكان لهم ما أرادوا، وكنتم أنتم القوى والشخصيات السياسية أول من خاض في هذا المسار، بحسن نية أو سوئها، فالأمر لم يعد نافعاً لتقسيم الناس حسب نواياهم فيما مضى، إلا إن كان ذلك بسبب لزوم الوقوف على السيرة الشخصية لإنسان بعينه وحين يلزم الأمر فقط.لكن ما ننتظره ونأمله ونترقبه صحوة من مجموعة من القوى والشخصيات السياسية، وإن تمنينا جميعها، لتعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي لإصلاح البلد وإقصاء الفاسدين، قبل أن يغرق البلد، وربما ذلك لن يكون بعيداً إن لم نتداركه، فإن كان في الوقت متسع لإنقاذ البلد، فليس في الوقت مجال للتأخر، وإذا فات الفوت ما ينفع الصوت.
أخر كلام
المراجعة استحقاق وطني
03-12-2021