الملف الأفغاني ( 2 - 2 )
في الحلقة الأولى تحدثت عن كتاب الأمير تركي الفيصل آل سعود وعنوانه "الملف الأفغاني"، في هذه الحلقة يحدثنا المؤلف عن الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية ودول أخرى لحل المشاكل التي عصفت في ذلك البلد الإسلامي المنكوب على مر السنين. بعد انهيار النظام الملكي في أفغانستان التي كان يحكمها الملك ظاهر شاه حتى عام 1973 وإحلال نظام شيوعي مدعوم من الاتحاد السوفياتي، مهد الغزو السوفياتي لأفغانستان في ديسمبر من عام 1979 استمر عشر سنوات، تلاه بدء الحرب على القوات السوفياتية الغازية، مما جعل الفصائل الأفغانية تتحد لمواجهة هذا الغزو رغم اختلافها وتعدد الأعراق في أفغانستان، وهي المكونة من قبائل البشتون، وهي الأكبر عدداً، والطاجيك، والأوزبك، والهزارة وغيرها من الأقليات التي تشكل توليفة للمجتمع الأفغاني. في هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن هذه الفصائل التي تتحد ضد الغزاة وتختلف وتتقاتل فيما بينها لاحقا، وفي هذا الكتاب يتضح الدور السعودي في دعم الفصائل الأفغانية بالإضافة إلى الدور الباكستاني لدحر الغزو السوفياتي، ويتطرق الكاتب إلى المؤامرات والتحالفات التي تؤدي دوراً في المجتمع الأفغاني الذي جبل على الحروب منذ عقود ماضية، وبعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان يظهر دور حركة طالبان على المسرح السياسي الأفغاني.
كما نجد أن في الكتاب فصولاً حول عمل الجمعيات الخيرية والمتطوعين التي تقدم الدعم للاجئين الأفغان على الجانب الباكستاني من الحدود الذين تجاوز عددهم خمسة ملايين، وخصوصاً في مدن بيشاور وكويتا الباكستانيتين، بالإضافة إلى اللاجئين الذين نزحوا إلى الدول المجاورة وهي طاجيكستان وأزبكستان وإيران. ويشير المؤلف إلى أن الفصائل الأفغانية كانت لا تنفذ الوعود أو نتائج الاتفاقات بينها، على سبيل المثال الاتفاق بين الفصائل المتحاربة لإنهاء خلافاتهم الذي عقد في مكة المكرمة، وبعد عودتهم لبلادهم نقضوا الاتفاق ودبّ الخلاف بينهم فيما بعد. ويتحدث الأمير تركي عن ظهور نجم تنظيم طالبان ودور أسامة بن لادن بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي، كما يتحدث عن الدور الكبير الذي أدته المملكة العربية السعودية وباكستان والدول الغربية في مساعدة أفغانستان للخروج من المستنقع الذي مرت به هذه الدولة، ومحاولة هذه الدول وقف الاقتتال المستمر بين إخوة السلاح وكذلك المؤامرات وعمليات الاغتيال التي تعرض لها بعض الزعماء الأفغان ومنها اغتيال الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود، مما أعاد الشعب الأفغاني لمواجهة المآسي وتهجير الأفغان بسبب الحرب الطاحنة بين الإخوة الأعداء. لا شك أن هذا الكتاب (الملف الأفغاني) يعتبر حصيلة جهد قام به رجل عاش الأحداث، وكان له دور بسبب منصبه، وعمل على حل المسألة الأفغانية، وقدمت بلاده الدعم المالي والسياسي لشعب مسلم ابتلي بالغزو الخارجي، وما تبعه ذلك من حروب بين الفصائل الأفغانية المتصارعة. عندما انتهيت من قراءة هذا الكتاب المفيد تذكرت أيام كنت أعمل في باكستان، وكنت أنوي الكتابة عن حركة طالبان، وقد جمعت العديد من المراجع لأكتب عن طالبان وأسباب نشأتها وصعودها وسيطرتها على أفغانستان، وللأسف الشديد لم أتمكن من إصدار ذلك الكتاب لانشغالي بعملي الدبلوماسي وانتقالي من دولة لأخرى بعد انتهاء عملي في باكستان، وبعدي عن دائرة الأحداث في أفغانستان. وأرجو أن أتمكن في المستقبل أن أكتب عن مأساة هذا البلد الإسلامي الذي نكب بالحروب والصراعات والاحتلال من الدول الأخرى، والذي ذهب ضحيته الشعب الأفغاني الذي لا حول له ولا قوة.