دليل الثري لعدم استفزاز العامة *
ربما على الأثرياء ومحدثي النعمة الجدد أن يبقوا خلف أسوارهم ويتوقفوا عن استفزاز العامة عبر بضعة أمور في غاية البساطة، أولها التوقف عن إعطاء النصائح الاقتصادية بالقول «شدوا الأحزمة»، لا أن يقولوا للعامة إن الثقافة هي نحن، وعليكم أنتم أن تراقبوها من خلف شاشات التلفزة أو عبر «إنستغرام» و «فيسبوك» وغيرهما.
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
كل ذلك ابتلعه المواطن العادي أو عامة الناس وهم كثر، بل كثيرون من العامة صدقوا عبارة "هذا من فضل ربي" التي تزين مداخل المحلات الفخمة والبيوت بل القصور، فلم يعد المواطن يملك إلا أن يكون متفرجاً في بلده، يراقب ما يلبس هؤلاء، وكيف يحتفلون، وأين يتعشون، وفي أي المطاعم يتجمعون أو الأندية الليلة. وهم في ذلك كما كان "الخدم" في العصور القديمة عندما يسرقون النظر من خلف زجاج النوافذ أو الأبواب الموصدة، وفي كثير من الأحيان لا يعرفون ما يقال وما يحدث، بل ما يأكل وما يشرب.. كلها طلاسم كانت ولكنها الآن وبفعل وسائل التواصل الاجتماعي وبفعل الرغبة الجارفة للأثرياء في أن يكونوا هم محط "الترند" أو الحديث رغم أنهم ينزعجون عندما يعلق أحدهم على تصرفاتهم وحياتهم الخاصة جداً! وبذلك ينشرون أمراضهم بين العامة، وقد يسميها البعض ثقافة، أي أنهم يعملون على نشر المعرفة والثقافة "للجهلة" من المواطنين الآخرين، وهنا يسقطون المجتمع بأكمله إلى شكل من أشكال البحث عما يشبه فستان تلك الفتاة أو المرأة أو سيارة ذاك الثري أو مجوهرات "بنات" تلك الطبقة الجديدة جداً. حتى هنا يبدو الأمر ليس بيد أحد، وكل الحق على وسائل التواصل، وربما على فضول العامة من الناس، ورغبتهم في معرفة أخبار أولئك الخلق الذين يسكنون خلف الجدران العالية، ويمرون بعرباتهم الفاخرة من أمامهم، وكأنهم غير موجودين أصلا.. كل ذلك ربما يقال طبيعي ضمن تطور الزمن والطفرة في وسائل التواصل والرغبة في المشاركة والتنافس "الشريف"! ولكن ماذا عن قيام أفراد تلك الطبقة بتلقين العامة دروسا في معنى الفن؟ وما هية الموسيقى؟ والآداب العامة والحريات بمعنى أن الفرد حر فيما يفعل دون معايير معينة لطالما حافظة، ولسنين طويلة، التراث البشري من الموسيقى إلى الغناء والرقص وحتى فن الترفيه والرسم والنحت وغيرها. كيف يتصور بعض الأثرياء منهم أن قدرته المالية التي تمكنه من شراء ما يشاء وسفره المستمر إلى بقاع الأرض الواسعة، كل ذلك يجعله أكثر معرفة وفهماً للثقافة والفن؟ أو أنه يملك الجرأة ليقول للعامة من الناس إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة بحاجة إلى تضحيات منا جميعاً، وهو يقصد بذلك ضحوا أنتم وسنستمر نحن في جمع الثروات والعيش المرفه في حين أنتم تنبشون صفائح القمامة للبحث عن بقايا قطعة لحمة أو رغيف خبز. ربما على الأثرياء والمحدثين الجدد أن يبقوا خلف أسوارهم ويتوقفوا عن استفزاز العامة عبر بضعة أمور في غاية البساطة، أولها التوقف عن إعطاء النصائح الاقتصادية بالقول "شدوا الأحزمة"، لا أن يقولوا للعامة إن الثقافة هي نحن، وعليكم أنتم أن تراقبوها من خلف شاشات التلفزة أو عبر "إنستغرام" و"فيسبوك" وغيرهما، كما أن على الأثرياء الجدد أن يتوقفوا عن نشر صورهم وهم في يخوتهم الفخمة أو قصورهم أو في المطاعم الفاخرة التي يعادل سعر وجبتها مرتب أكبر الموظفين لسنة، وألا يشاركوا العامة في مهرجاناتهم لطالما هي حكرٌ عليهم وتقام بمقاييسهم هم، إلا إذا كان كل ذلك لا قيمة له دون متفرجين، وهنا يأتي دور العامة من الناس ليكونوا شريحة المتفرجين الذين يضعون "لايكا" وإعجاباً ونجوماً وأقماراً، فهم بذلك يزيدون تمادي أفراد تلك الطبقة أو الشريحة في استفزاز العامة لأن بعضها ارتضى أن يبقى طول حياته متفرجاً ومفعولاً به ومقلداً لأولئك الذين قد يكونون أحد أسباب فقره وجهل أطفاله وبقاء عائلته في دائرة الفقر نفسها جيلاً بعد جيل بعد جيل. * ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية
● د. خولة مطر
80 % من سكان بعض الدول بحاجة إلى معونة بعد أن تآكلت الطبقة الوسطى بفعل أقلية تتحكم في شرايين الحياة الاقتصادية كلها
المواطن لم يعد يملك إلا أن يكون متفرجاً في بلده يراقب ما يلبسه الأثرياء وكيف يحتفلون وأين يتعشون وفي أي المطاعم يتجمعون
المواطن لم يعد يملك إلا أن يكون متفرجاً في بلده يراقب ما يلبسه الأثرياء وكيف يحتفلون وأين يتعشون وفي أي المطاعم يتجمعون