هل الديموقراطية أسوأ أنواع الحكم؟
هي ربما من أشهر العبارات التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، "الديموقراطية هي أسوأ أنواع الحكم، هذا إذا استثنينا كل أنواع الحكم التي تم تجريبها حتى الآن". من المعروف عن تشرشل، حسّه الساخر، لدرجة أن هناك على الأقل ١٣ مطبوعاً مخصصة فقط لعباراته الساخرة. إلا أنه عندما صوّت الشعب البريطاني ضده، وأسقطه في الانتخابات بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من انتصاره في تلك الحرب، علّق بأنه "يبدو أن المسألة ليست مزحة".فهل حقاً الديموقراطية هي كذلك؟ ربما كان المقصود هو أنها أفضل الموجود، وأنها ليست نهاية طريق، لا تقتصر فقط على تداول السلطة بالانتخابات، ولكنها حزمة متكاملة تشمل العدالة والمساواة، وهي وإن كانت تتم على قاعدة الأغلبية، إلا أنها مع احترام الأقلية وعدم التمييز ضدها، واحترام كرامة الإنسان، كمسألة مطلقة.
منذ انتهاء الحرب الباردة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تخلّت عشرات الدول عن أنظمتها الشمولية، والدكتاتورية والأوتوقراطية، ودخلت الحلبة الديموقراطية، حتى صار لدينا علم جديد يسمى "العدالة الانتقالية"، والذي يتم بموجبه تنظيم عملية الانتقال من حالة شديدة المركزية إلى حالة انسيابية تعددية. وشيئاً فشيئاً صارت منظمات إقليمية تشترط لعضويتها أن يكون البلد ديموقراطياً. كان العالم يسير حسب ظن البعض حول نهايته، من حيث شكل الحكم الديموقراطي. إلّا أن الملاحظ خلال السنوات العشر الماضية، زيادة حجم الانتكاسات والنكوص الديموقراطي في العديد من الدول، ومنها دول تقع في العالم الغربي، والذي يعتبره الاتحاد الأوروبي تهديداً وجودياً لدول الاتحاد. كما أن الملاحظ أن دولاً لم تتغير أنظمتها الشمولية، وصار لها ثقل اقتصادي وسياسي وعسكري على الساحة الدولية.كانت تلك الحالة هي التي جعلت من الديموقراطية قضية محورية في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ما دفعه إلى الدعوة لمؤتمر الديموقراطية الذي سيعقد بعد ٣ أيام افتراضياً. إلا أنّ كل المؤشرات الصادرة من المسؤولين والخبراء المقربين منهم، تذهب إلى أن دعم الديموقراطية لن يكون من ضمن أولويات السياسة الأميركية، بل ستتجه إلى تقوية التحالفات، والاستفادة من دروس الماضي، ومكافحة الإرهاب، وعدم الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط. ومن يدري؛ فقد يخرج المؤتمر بخلاصة أن الديموقراطية ودعمها يؤثران سلباً على المصالح، فهي قد تكون أسوأ أنواع الحكم.