بوصلة: هل ذكاؤنا اصطناعي رقمي؟
يشهد العالم ثورة صناعية خامسة مستدامة هي امتداد وتطوير للثورة الصناعية الرابعة الحالية، وترتكز على البحث والابتكار لتقديم حلول للتحديات التي تواجه المجتمع بما في ذلك الحفاظ على الموارد وتغير المناخ، وذلك من خلال اعتماد منهجية عالمية حول كل ما يتمحور حول الإنسان في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وهي قدرة النظم الحاسوبية على استخدام الذكاء لتحسين نوعية وكفاءة النظم والعمليات الحاسوبية في مختلف القطاعات. فالذكاء الاصطناعي عبارة عن سلوك وخصائص معينة تتبعها برامج الكمبيوتر، بحيث تصبح قادرة على محاكاة القدرات الذهنية الخاصة بالبشر في أنماط عملها المختلفة، وأهم هذه القدرات هو قدرة الآلة على التعلم والاستنتاج واتخاذ القرارات، وقد تم إدخال الذكاء الاصطناعي في المركبات والطائرات الذاتية القيادة، وفي آليات البحث عبر الإنترنت، وفي تطبيقات تعلّم اللغات المختلفة، وتطبيقات التشخيص الطبيّ وأنظمة تحليل وتداول الأسهم، وفي تطوير أساليب التعلم الرقمي، وغيرها من المجالات، فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا حدود لها، فهي تطوير للمحاكاة المعرفيّة وذلك باختبار النظريات حول كيفية عمل العقل البشري، والوظائف التي يقوم بها، كالتعرّف على الوجوه المألوفة وتفعيل الذاكرة، وكذلك القدرة على اكتشاف الأخطاء وتتبعها وتصحيحها ومعرفة أسبابها، بالإضافة إلى الوصول إلى التحسينات المختلفة في المستقبل وفي النسخ الأحدث من الآلات، وكذلك في اكتساب المعرفة واستخدامها في حلّ المشاكل والقضايا التي تواجه الآلة من خلال خبرات العاملين المخزنة، والاستجابة للمتغيرات المختلفة بمرونة تامة وفي فترة زمنية قياسية، كما يقوم بنقل التجربة والخبرة الذاتية إلى مواقف ومجالات جديدة تسهم في فهم وتحليل المواقف الغامضة وغير المألوفة باستخدام أسلوب الاستنتاج المنطقي، واتباع أسلوب الربط بين المواقف المتعددة والمتشابهة، فالذكاء الاصطناعي يسهم بشكل فعال في اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال مهارة الإدراك الحسي والعقلي للجوانب المختلفة من المشكلة، ودراسة مجموعة الاحتمالات الواردة ومعرفة نتيجة كلّ احتمال بهدف اختيار أفضل القرارات الممكنة التي توصل إلى النتائج المطلوبة في أسرع وقت. أما التحول الرقمي فهو دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع المجالات لإحداث قفزات هائلة في كيفية تشغيل وتقييم وتقديم الخدمة والسلعة للمستفيدين، فالتحول الرقمي أسهم في زيادة النفقات التكنولوجية ورفع كفاءة خط سير العمل من خلال تقليص الأخطاء وزيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات، وقد أشارت تقديرات شركة أبحاث السوق (آي دي سي) إلى أن 40% من إجمالي الإنفاق على التكنولوجيا يتجه نحو التحولات الرقمية، ومن المتوقع أن يتخطى إنفاق المؤسسات 2 تريليون دولار في العام.
هذا التحول الكبير يلخصه لنا كريس هاورد، نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة الدراسات والأبحاث العالمية (جارتنر) في الآتي: "كان من النادر خلال السنوات الأربع الماضية أن تقوم المؤسسات باعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد أشار 10% فقط من المشاركين في الدراسة إلى أن مؤسساتهم نشرت بالفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي أو أنها ستفعل ذلك في المستقبل القريب، لكن هذا الرقم قفز إلى 37% في عام 2019 بزيادة قدرها 270% خلال أربع سنوات". أما أسباب هذه القفزات الهائلة فيلخصها لنا مؤشر التحول الرقمي الخاص بشركة "ديل" الأميركية، حيث تبين أن: "52% من صانعي القرار في 16 بلداً قد واجهوا تحوّلاً ثورياً كبيراً أحدث أثراً في قطاعاتهم نتيجة للتقنيات الرقمية"، إذاً أصبح التحول التكنولوجي الرقمي لاعباً رئيساً في ضمان تركيز كل أعمال المؤسسة على المتطلبات السلوكية للعملاء، كما تحولت تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى جزء أساسي من كل الاستراتيجيات الرقمية، وباتت تُستخدم بالفعل ضمن مجموعة واسعة من تطبيقات تجميع وتحليل البيانات بهدف تتبع المشكلات في مختلف المجالات لتشخيصها وحلها، وهذا ما يقوم به عمالقة التكنولوجيا الرقمية في شركات آبل، وأمازون، وغوغل، ومايكروسوفت، فيسبوك، وهواوي التي تخطت إيراداتها في عام 2018 فقط التريليون دولار وتضاعفت عشرات المرات في فترة الجائحة! فالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي مرتبطان ببعض ويجذبان الابتكارات والاستثمارات والأرباح في حال إذا تم تغيير ثقافة المؤسسة وتنفيذ تحول رقمي كامل (رقمنة) للعمليات والإجراءات والمهارات والخبرات ضمن خريطة طريق واضحة المعالم ومدعومة من قيادات المؤسسة لضمان فعالية تحولها الرقمي الذي يعتبر قاعدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، أما على مستوى الحكومات، فقد صدرت دراسة ألمانية في عام 2017 عن بلدان مجموعة العشرين، تثبت أهمية دور تقنيات المعلومات والاتصالات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالحكومات بحاجة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية التي أثرت في سلوك المواطنين والمقيمين وطريقة تفكيرهم وتعليمهم وطبيعة حاجاتهم السلعية والخدمية الذكية. هذا التوافق لن يتم إلا من خلال وضع وتنفيذ خطة استراتيجية رقمية واقعية تشمل المتطلبات التكنولوجية والمعرفية والتعليمية والابتكارية الاصطناعية اللازمة لرقمنة الاقتصاد وتنويع مصادره، ومعالجة اختلالاته بطريقة دقيقة وذكية وممنهجة من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي في نظم اتخاذ القرار والإدارة والتقييم والقياس والرقابة وفي المنظومة التعليمية وفي تنمية القدرات التكنولوجية المحلية حتى تتوافر للكويت البنية التحتية الرقمية، فوفقاً لمؤسسة (آي دي سي): "ستعمل 65% من جميع المؤسسات على تسريع استخدام التقنيات الرقمية بحلول عام 2022"، فهل ستعتمد قراراتنا المصيرية الحالية والمستقبلية على ذكائنا الاصطناعي الرقمي؟