بينما تشهد العلاقات بين البلدين توتّرات سياسية شديدة في قضايا خلافية عدّة، أعلنت الولايات المتحدة مقاطعتها الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها بكين في 4 فبراير 2022 في انتقاد مضبوط لسجل حقوق الإنسان في الصين التي توعّدت أن الولايات المتحدة بأنها «ستدفع ثمن» قرارها.وأتى القرار، بعد أسابيع من المحادثات التي جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ، بهدف تخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، كما أتى بعدما أمضت الإدارة الأميركية أشهرا عدة في محاولة التوصل إلى الموقف الأنسب حيال الأولمبياد الشتوي الذي تستضيفه دولة تتهمها واشنطن بارتكاب «إبادة» بحق المسلمين الأويغور في شينجيانغ شمال شرق الصين.
البيت الأبيض
وفي وقت سابق، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن الإدارة الأميركية «لن ترسل أي تمثيل دبلوماسي أو رسمي إلى دورة الألعاب، نظرا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في شينجيانغ والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان».واعتبرت أن إرسال تمثيل رسمي سيعني أن دورة الألعاب تمضي «بشكل طبيعي»، مضيفة «وببساطة لا يمكننا القيام بذلك».وأكدت أن «الرياضيين في الفريق الأميركي يحظون بكامل دعمنا. سنساندهم بالكامل وسنشجعهم من الولايات المتحدة».وسيحظى الرياضيون الأميركيون ومدربوهم وغيرهم من أفراد الفريق بمساعدة قنصلية وأمنية دبلوماسية، وفق الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس.ترحيب المعسكرين
ولقي القرار ترحيباً واسعاً في الولايات المتحدة، حيث يواجه بايدن ضغوطاً للتنديد بانتهاكات الصين لحقوق الإنسان.ورحّب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب ميننديز بالمقاطعة، واعتبرها «توبيخا قويا لحملة الإبادة التي ينتهجها الحزب الشيوعي الصيني في شينجيانغ»، داعياً «الحلفاء والشركاء الذين يشاركوننا القيم نفسها للانضمام إلى الولايات المتحدة في هذه المقاطعة الدبلوماسية».وفي المعسكر الجمهوري، رحّب السيناتور ميت رومني بقرار بايدن، مؤكداً أنّ «المقاطعة الدبلوماسية هي الرسالة الصحيحة الواجب إرسالها إلى بكين من دون معاقبة الرياضيين الأميركيين».بدوره، دعا مايك بومبيو، وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية بشكل كامل.وقال إن «الحزب الشيوعي الصيني لا يأبه بتاتاً بمقاطعة دبلوماسية، لأنه في نهاية المطاف سيرحب بالرياضيين من جميع أنحاء العالم».وتعود المقاطعة الأميركية الكلية لألعاب أولمبية إلى عام 1980 عندما أعلن الرئيس جيمي كارتر الانسحاب منها احتجاجا على غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان.إجراءات مضادة
وفي بكين، قال الناطق باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان في مؤتمر صحافي، أمس، إن بلاده «ستتخذ إجراءات مضادة حازمة، وستدفع الولايات المتحدة ثمن خطوتها السيئة... ترقبوا ما سيحصل».وأضاف أن «المسعى الأميركي للتدخل في أولمبياد بكين الشتوي بدافع التحيز الأيديولوجي بناء على أكاذيب وإشاعات، وسيكشف فقط نوايا الولايات المتحدة الخبيثة».وأكد أن «الألعاب الأولمبية ليست مسرحا للاستعراض والتلاعب السياسي».وأضاف «أن المؤامرة الأميركية لمحاولة إفساد الأولمبياد محكوم عليها بالفشل»، محذراً من توابع ذلك وإضراره بالحوار والتعاون مع الصين في القضايا المهمة.وكتبت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية في تغريدة على «تويتر»، أمس، «بصراحة يشعر الصينيون بالارتياح إزاء الأنباء، لأنه كلما قلّ عدد المسؤولين الأميركيين، قلّت معه الفيروسات القادمة».ردود دولية
وفي ردود الفعل الدولية، انتقد «الكرملين» القرار الأميركي، مؤكدا وجوب إبقاء الألعاب «بعيدة عن السياسة»، ومعتبرا في الوقت نفسه أن «الأهم في الأولمبياد هو أن الرياضيين لن يتأثروا».بدورها، أعلنت الرئاسة الفرنسية أنها «أخذت علما» بالقرار الأميركي، مؤكدة أنها «ستنسق» مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي بخصوص هذا الملف.وفي لندن، قال نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، أمس، إن بلاده ستبحث في الوقت المناسب ما إذا كانت ستقاطع الأولمبياد دبلوماسيا.من جهته، لم يعلن مستشار ألمانيا المحتمل، أولاف شولتس، موقفا محددا فيما إذا كانت حكومته ستتبع الولايات المتحدة في قرار المقاطعة.وأوضح، في مؤتمر صحافي، أن حكومته ستجري مشاورات بعناية في هذا الشأن، وستتخذ قرارات في سياق دولي.اللجنة الأولمبية الدولية
من جهتها، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنها «تحترم» قرار الولايات المتحدة، معربة في الوقت نفسه عن ارتياحها لعدم تأثير هذا القرار على مشاركة الرياضيين الأميركيين.وقال متحدث باسم اللجنة الأولمبية، إن «وجود مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين في الألعاب الأولمبية هو قرار سياسي بحت لكل حكومة، وتحترمه اللجنة الأولمبية الدولية تماماً في إطار حيادها السياسي».وتتهم منظمات عدة مدافعة عن حقوق الإنسان بكين باحتجاز ما لا يقل عن مليون مسلم في شينجيانغ بـ «معسكرات إعادة تأهيل»، وبتعقيم نساء قسرا وفرض العمل القسري.واعتبرت «هيومن رايتس ووتش» قرار إدارة بايدن بأنه «حاسم»، لكنها دعت إلى مزيد من المساءلة «للمسؤولين عن هذه الجرائم، والعدالة للضحايا».