بعد شهرين ونصف الشهر على الانتخابات في ألمانيا، بات زعيم «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» (FDP)، أولاف شولتس، مستشاراً، بعدما انتخبه مجلس النواب، أمس، معيداً اليسار الوسط إلى الحكم، ليطوي بذلك نهائياً عهد أنجيلا ميركل الذي استمر 16 عاما.

وحصل شولتس (63 عاما) المدعوم من أحزاب «الاشتراكي الديموقراطي» و«الخضر» و«الديموقراطي الحر» الليبرالي، التي باتت معروفة مجتمعة باسم ائتلاف «إشارة المرور»، على تأييد 395 نائباً من أصل 736 في البوندستاغ (البرلمان)، ليتوجه بعدها إلى مقر رئيس الجمهورية الفدرالية فرانك فالتر شتاينماير، لتسلّم وثيقة تعيينه، ومن ثم عاد إلى البرلمان، حيث أدّى اليمين الدستورية أمام المشرّعين.

Ad

ولوّح شولتس، الذي كان يضع كمامة سوداء، بيده، وسط تصفيق حاد من المشرّعين، كما تسلّم باقات من الزهور وسلّة تفاح من قادة الكتل البرلمانية.

وتعهد شولتس، البالغ 63 عاما، قبل مغادرة ميركل للمستشارية، وسط تصفيق الموظفين، بأنها «ستكون بداية جديدة لبلدنا. أريد أن أفعل كل شيء من أجل تحقيق ذلك».

تاسع مستشار

وأصبح شولتس تاسع مستشار لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما تصدّر حزبه الانتخابات الأخيرة، وتمكّن من تحقيق غالبية مريحة قدرها 206 مقاعد مع شريكيه الجديدين في الائتلاف، «الخضر» (118 مقعدا) و«الديموقراطي الحر» (92 مقعدا)، في حين أنه بحاجة إلى 369 صوتا للفوز بالمستشارية.

ميركل

وبذلك، تنسحب ميركل من الحياة السياسية بعد 4 ولايات متتالية، بفارق 9 أيام فقط من تحطيم الرقم القياسي لأطول مدة الحكم سجلها هيلموت كول (1982 - 1998).

وبعد تلقيها الكثير من الإشادات والتكريم في الأسابيع الأخيرة، غادرت ميركل المستشارية نهائيا، بعد مراسم تسليم السلطة لشولتس، خصمها السياسي الذي كان كذلك وزير ماليتها ونائبها في السنوات الأربع الأخيرة بموجب لعبة التحالفات.

وبذلك تطوي ميركل التي تنسحب فيما شعبيتها في أعلى مستوياتها، حياة سياسية استمرت 31 عاما، بينها 16 على رأس القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا.

حكومة تكافؤ

ويتسلم شولتس مقاليد السلطة على رأس أول حكومة تكافؤ في ألمانيا تتولى نساء فيها وزارات أساسية، مع تعيين «البيئية» أنالينا بيربوك وزيرة للخارجية والاشتراكيتين الديموقراطيتين كريستين لامبريشت وزيرة للدفاع، ونانسي فيسر وزيرة للداخلية.

كذلك تعتبر الحكومة سابقة من حيث تشكيلتها السياسية، إذ تضم للمرة الأولى منذ الخمسينيات 3 مكونات.

ورغم الاختلاف، لا بل التعارض أحيانا في برامج التشكيلات الثلاثة، فإنها توصلت سريعا إلى الاتفاق على برنامج يرتكز إلى حماية البيئة والتقشف المالي وأوروبا.

ومن المتوقع أن يتولى زعيم الليبراليين كريستيان ليندنر المعروف بتمسكه بنهج التقشف، وزارة المال.

وسيواجه الوزراء فور تولي مهامهم الجديدة وضعاً صحياً متأزماً إلى حد غير مسبوق منذ ظهور «كورونا»، إذ دفعت الموجة الجديدة من تفشي الوباء الحكومة إلى فرض قيود شديدة على غير الملقحين تتضمن منعهم من دخول المطاعم والمواقع الثقافية وحتى المتاجر غير الأساسية في بعض المناطق منها العاصمة برلين.

ومن المتوقع أن تفرض الحكومة الجديدة، بدفع من شولتس، إلزامية التلقيح ضد «كورونا»، اعتبارا من فبراير أو مارس المقبلين، في وقت تخضع المستشفيات لضغوط شديدة، ولا سيما في ساكسونيا وبافاريا، حيث الوضع متأزم جداً.

غير أن السلطات الجديدة قد تصطدم بمشاعر الغضب حيال التدابير الصحية في مناطق ألمانيا الشرقية سابقا التي تضم معاقل اليمين المتطرف، وحيث تنتشر نظريات المؤامرة بين السكان الذين يرفضون تلقي اللقاح.

وغالبا ما تشهد تجمعات المعارضين للقيود الصحية اشتباكات.

الملفات الدولية

كذلك، تواجه الحكومة الجديدة ترقباً كبيراً في الملفات الدولية، وسط التوتر الجيوسياسي مع روسيا والصين. ولم يعلّق شولتس على إعلان الولايات المتحدة مقاطعتها الدبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية في بكين خلال فبراير والقرار المماثل الصادر لاحقا عن أستراليا أيضا وبريطانيا.

ووعدت الوزيرة بيربوك أيضا باعتماد سياسة أكثر صرامة من الحكومة السابقة تجاه موسكو، في وقت تحشد روسيا قوات ومدرعات عند حدود أوكرانيا، مما يثير مخاوف من شنّ هجوم على هذا البلد.

وفي استمرارية للتقليد المتّبع من أسلافه، سيتوجه شولتس إلى فرنسا في أول زيارة له إلى الخارج، ومن المقرر أن يستقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غداً.

أما وزيرة الخارجية الجديدة، فتصل اليوم، إلى باريس، قبل أن تشارك في نهاية الأسبوع باجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في ليفربول.

وهنأ ماكرون شولتس، وكتب على «تويتر»: «سنكتب الفصل التالي معا. من أجل الفرنسيين والألمان والأوروبيين... سنلتقي يوم الجمعة».

كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل بالمستشارة السابقة وجهودها تجاه أوروبا. وقال: «عزيزتي أنجيلا، شكرا لك على عدم نسيان دروس التاريخ مطلقا، وعلى فعل الكثير من أجلنا ومعنا من أجل النهوض بأوروبا».

روسيا والصين

وفي ردود الفعل، دعا «الكرملين» إلى «علاقة بناءة» بين الرئيس فلاديمير بوتين والمستشار الجديد، قائلا إنه يعوّل على أن «الطرف الألماني سيواصل العمل انطلاقا من مفهوم أنه لا بديل عن الحوار لتسوية أصعب الخلافات».

أما الصين، فقد هنأ رئيسها شي جينبينغ المستشار الجديد، مبدياً استعداد بلاده لنقل العلاقات الثنائية إلى «مستوى جديد».