بوطبيع ما يغير طبعه
إذا لم تكن قضية حرية البشر المحكوم عليهم في قضايا الرأي السياسية، والتي أفصحت عنها الرغبة الأميرية بالعفو، من مسائل "تصريف العاجل من الأمور"، التي يتعين على الحكومة المستقيلة الاستمرار في عمل اللجنة الثلاثية، فما هو إذن العاجل من الأمور الذي يجب على الحكومة إعماله؟سمو رئيس الحكومة في لقائه مع عدد من النواب أرجع سبب توقف لجنة العفو الثلاثية إلى استقالة الحكومة، وقال إن اللجنة ستستمر في مباشرة أعمالها حين تشكل الحكومة الجديدة، التي لم تحدد لها مدة. مثل هذه الحجة أو العذر لتعطيل عمل لجنة العفو ليس مقبولاً، فالرئيس صرح بعد صمت حكومي طويل، وبعد نشر أخبار حقيقية أو مجرد شائعات في صحف يومية أكثر من مرة، وما كان لهذا الأمر من تعميم الخبر أن يحدث لو لم يكن هناك تسريب من مصادر حكومية عليا للصحف، وأنه كان يحمل رسالة ضمنية بغلق ملف العفو تماماً إثر تصريحات بعض النواب السابقين المهجرين. لماذا جاء تصريح ووعد رئيس الحكومة متأخراً؟ ولماذا لا يعد استمرار عمل اللجنة من شؤون تصريف العاجل من الأمور؟ ليت السلطة تمارس قليلاً من الشفافية والصراحة السياسية، بدلاً من البحث عن مخرجات ومنافذ توفيقية هي بعيدة عن حكم القانون والشرعية.
الأمر الآخر الذي نتمنى أن يمضي فيه رئيس الحكومة هو أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط، أي حكومة فنية متخصصة، يختص كل وزير فني بشؤون وزارته حسب تخصصه، ولا تكون الحكومة القادمة حكومة ترضيات وتوزيع حصص عائلية وقبلية على حساب مصلحة الدولة، وتحديداً في هذا الوقت الذي تجابه فيه الدولة أكبر تحد اقتصادي لها. التمني على السلطة أمر، وما سيحدث على أرض الواقع غداً مسألة مختلفة، فـ "بوطبيع ما يغير طبعه"، وفي النهاية سيتم تشكيل حكومة ترضيات ومحاصصة تمشي الواسطة والمحسوبيات لنواب الخدمات الذين أضحوا جزءاً ضخماً من هوية البلد الاجتماعية.أيضاً، نلاحظ أنه حتى لو حدث، على سبيل المثال، أن شكلت حكومة تكنوقراط وبحد أدنى من الحس السياسي، إلا أنه في آخر الأمر سيرضخ الوزير التكنوقراطي لتأثير رغبات وزراء الديلوكس من الأسرة، وسيجد هذا الوزير أنه كان في عالم من الوهم والخيال عن دروب الإصلاح، فالواقع سيئ ولا يمكن إصلاحه أبداً طالما ظل أصحاب النهج السياسي لجماعة السلطة على حالهم ونمط تفكيرهم.