طبيب الغلابة "محمد مشالي" رحمه الله الذي توفي عام 2020 بعد نصف قرن قضاها في مساعدة ومساندة الفقراء في مصر حيث كان يتقاضى أجرا زهيدا مقابل علاج زبائنه بما لا يتجاوز بضعة جنيهات، لم يغير أسعاره ولم يرفع رسومه ولم يسع إلى تكوين ثروته على حساب مهنته وعطائه وحبه للناس، ليكون قدوة صالحة للعاملين في مهنة الطب الراقية حتى بعد وفاته.في الكويت تحول العمل الطبي الخاص عند شريحة من العاملين فيه إلى تجارة صرفة، لا اعتبار فيها للقيم الإنسانية ولا المبادئ العلمية، حيث حلّ جمع المال عند أولئك محل قسم الطبيب، وأصبح الرصيد الغالي هو رصيد البنك لا رصيد العطاء، وارتكزت أعمالهم على الشكليات والاحتيال لا على المهنية والعلم كما هو واجب.
نعاني في الكويت غياب الرقابة على الخدمات الطبية المقدمة في القطاع الخاص بالعيادات المختلفة أو في المستشفيات، لا أحد يعرف من يقيم هذه الخدمات ومن يصنفها، وما هو مستوى كل عيادة ومستشفى، وما هو التقييم الخاص بكل طبيب واستشاري، وبالتأكيد التلاعب في الأسعار بعيداً جداً عن عيون الجهات الرسمية سواء في ما يسمى فتح الملف أو رسوم الكشف الأولى أو المراجعات الدورية، وبالطبع العمليات الجراحية التي تسعر كما تسعر الخدمات في سوق الحراج، صاحب الصوت الأعلى يفرض سعره على السوق، ثم جاء برنامج "عافية" للتأمين الصحي ليجعل المال العام فريسة لضعاف النفوس والمزورين في هذا المجال ويكمل لنا ما كان ناقصاً في هذه الأوضاع السيئة.أسعار الخدمات الطبية بلغت حد الخيال في بعض القطاعات بغض النظر عن جودتها وكفاءتها، ولا نعرف ما دور وزارة الصحة في الرقابة والإشراف على أعمال الأنشطة الصحية في القطاع الخاص، وما آلية تقييم جودة الخدمات وكفاءة العاملين في مختلف مستوياتهم، وما ضمان فصل عمل الطبيب لوظيفته الحكومية عن تجارته في القطاع الخاص وعدم استفادته من ذلك على حساب المرضى والمراجعين، ثم السؤال الأهم: كيف يمكن للناس أخذ حقوقهم من أخطاء وتجاوزات وتحايل هذه المستشفيات والعيادات؟ ومن الإدارة المسؤولة في وزارة الصحة عن تلقي الشكاوى والاستفسارات وحفظ حقوق الناس؟ ولمَ لا تنظم وزارة الصحة حملات إعلامية وإرشادية توضح حقوق المستفيدين من الخدمة والضمانات المقدمة لهم، ويكون لها مكتب خاص لهذا العمل في المحافظات والمستشفيات والعيادات الكبيرة أسوة بمكاتب حماية حقوق المستهلك في التجارة؟ لا نحارب أرزاق الناس، إنما نطالب برقابة سليمة وفعالة على الخدمات الصحية في الدولة، وهذا أبسط حقوقنا، فمن المستفيد من إرهاق المواطن واستنزاف جيبه؟ ومن يحمي تجار الطب ويتستر عليهم في البلد؟ والله الموفق.
مقالات
جشع المستشفيات الخاصة بلا رقيب
09-12-2021