يزخر تاريخنا بأمثلة حية عن عزيمة وإصرار الكويتيين في تنمية بلدهم وحماية ثرواته الطبيعية والمالية والبشرية، ففي أواخر فبراير 1991م، دمرت القوات العراقية الآبار النفطية، وأحرقت أكثر من 727 بئراً، مسببة غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة، وأدت إلى حصول كارثة بيئية وصلت سحبها الدخانية إلى اليونان غرباً وإلى الصين شرقاً في حين آثار هذا الدخان تعدت تلك المسافة لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية. وأضرت هذه الجريمة بالصحة العامة في الكويت، ناهيك عن الخسائر المادية اليومية الكبيرة التي كانت تقدر بأكثر من 200 مليون دولار يومياً، وقد قامت الكويت بدايةً بتوقيع عقود إطفاء حرائق الآبار مع أربع شركات أجنبية من خلال وكلائهم المحليين، وبدأت عمليات الإطفاء في 11 مارس 1991م، وتمت السيطرة على أول بئر مدمَّرة (بئر الأحمدي 49) في 20 مارس 1991 بواسطة شركة ريد أدير. في الشهور الخمسة الأولى كانت عملية إطفاء النيران مقتصرة على الشركات الأربع فقط؛ مما ساهم في تأخر إطفاء الحرائق وارتفاع معدلات التلوث وزيادة الخسائر اليومية، لذا تقرر كسر هذا الاحتكار في نهاية أغسطس 1991 وذلك من خلال الاستعانة بأكثر من 11 شركة متخصصة في مكافحة الحرائق النفطية من فرنسا وهنغاريا والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة والصين وإيران للمساهمة في عمليات الإطفاء، حيث ارتفع عدد الشركات من أربع في الشهور الأولى إلى 27 فريقاً بالإضافة إلى الفريق الكويتي مما أدى إلى مضاعفة معدل إطفاء وغلق الآبار المدمرة والمحترقة من 3 آبار في اليوم في مايو 1991 إلى 8 آبار في أكتوبر 1991، إلى أن تم إطفاء آخر بئر في 6 نوفمبر 1991م.
وقد ساهم الفريق الكويتي بإطفاء حوالي 6% من مجموع الآبار المشتعلة رغم مشاركته في توقيت متأخر مقارنة مع الفرق الأخرى، حيث قام بإطفاء أول بئر في 14 سبتمبر 1991م وبلغ مجموع الآبار التي أطفأها 41 بئراً وضعته في المرتبة الثالثة بعد الفرق الأميركية والكندية في التصنيف حسب الدولة وجنسية الشركات، وقد كان الفريق الكويتي المؤلف من 29 عضواً من شركة نفط الكويت موضع إعجاب ومحل تقدير الفرق الأجنبية، حيث أسهم وجود هذا الفريق في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لإطفاء حرائق آبار النفط من خلال حسه الوطني العالي وخبرته وعمله الدؤوب وتصديه للحرائق الأضخم؛ مما أشاع تنافساً محموماً بين كل الفرق الأخرى. نستلهم دروسا مستفادة من إطفاء الآبار بأنه بإمكاننا إطفاء الخسائر وإيقاف الهدر ومحاربة الفساد والتغلب على العجز المالي والإداري في فترة زمنية قياسية إذا أوقفنا الاحتكار وأشعلنا المنافسة، وأشركنا أكبر عدد ممكن من الكفاءات الوطنية بجانب الشركات المحلية والعربية والأجنبية للحصول على عروض تنافسية لتنفيذ مشاريع الدولة بأفضل المعايير، وفي إطار زمني متوافق مع تطلعات الكويت الجديدة التي سترتكز على إدارة حكومية فاعلة تستند إلى رأس مال بشري مبدع، وإلى اقتصاد متنوع مستدام قائم على التعددية والشفافية وعامر بالتنافسية وبعيد تماماً عن دمار الممارسات الاحتكارية.
مقالات
بوصلة: التنافسية عمار... والاحتكار دمار
09-12-2021