بقايا خيال: بيوت فندقية وفنادق منزلية
كثير من الكويتيين يريدون في بيوتهم "المتواضعة مادياً" أن تتوافر فيها خدمات فندقية خمس نجوم، كما يريدون في الفنادق التي ينزلون بها أثناء إجازاتهم خدمات منزلية كتلك التي تعودوا عليها في بيوتهم، هذا هو الواقع غير المنطقي الذي يأمل الحالمون أن يعيشوه. أما أنا فأعترف أنني لست غنياً، فما أنا إلا مواطن عادي "طرق معاش التقاعد"، فاشتريت بيتاً جاهزاً من إحدى شركات العقار، ولم "نتشيحط" وقتها بالاقتراض لشراء أرض في منطقة راقية ولبناء قصر ينافس في ضخامته قصور الأغنياء، ولا أملك من متاع الدنيا باستثناء عائلتي، سوى شقة صغيرة خارج الكويت اشتريتها أنا وزوجتي مما تبقى لنا من "تحويشة العمر"، لنوفر على أنفسنا تكاليف مستلزمات الفنادق، ولا نعتمد في رفاهيتنا المتواضعة على القروض، لأننا لا نسافر إلا عند الضرورة وعند توفر المال اللازم، ولا نشتري سيارات فارهة حتى لا نتورط بأقساط تكسر الظهر، لمجرد التفاخر بوسيلة انتقال فخمة صنعها غيري، وحتى لا نطالب الحكومة بعدها بإسقاط قروض يتحمل المقترض نفسه وزر اتخاذه قرارا متهورا بالاستدانة لمجرد أن يزيف حياته بالعيش "غصب طيب" كالأغنياء، هذه هي حالي وحال كثيرين من الكويتيين الذين يعيشون عيشة طبيعية خالية من رتوش المكياج أو أي عمليات تجميل. ورغم ذلك فإن الدول الوحيدة في العالم التي لا يقدر زائروها على تمييز الفقير من الغني هي دول الخليج العربية عموماً، ودولة الكويت خصوصاً، نتيجة اتباع الدولة نهج الريعية ورعاية كل متطلبات المواطنين من المهد إلى اللحد، وهذه الحقيقة ذكرتني بفترة الاحتلال العراقي لبلادنا عندما كان الكويتيون يطلبون من الجنود العراقيين الذين كانوا يحاولون سرقة بيوت الكويتيين بالتوجه لسرقة قصور الأغنياء بدلاً من بيوت الفقراء، فكانوا يجيبون بشيء من الاستغراب "يابا هاي كلها قصور"، إلا أنه عبر العقود الثلاثة الماضية تضاءلت الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء بشكل دراماتيكي حتى اقترب شكل الفقراء من حقيقة الأغنياء ولم يعد هناك خط فاصل بين الطبقتين اللهم إلا الأسماء التي منها نعرف أن فلاناً غني أباً عن جد. وككويتيين نعرف أن أغلبنا يملك بيوتاً هي أقرب للقصور من بيوت أصحاب الدخل المحدود أو المتوسط لما تحتويه هذه البيوت من مختلف صنوف الرفاهية ومستلزمات الحياة العصرية التي قد لا نجدها في بعض قصور الأغنياء، ورغم ذلك يطالب أصحاب القصور من ذوي الدخول المحدودة بإسقاط القروض تارة، وتارة أخرى بإلغاء فواتير الكهرباء والماء، وتارة ثالثة بزيادة الرواتب، ورابعة بالتدخل الحكومي لوقف نزيف أسعار السلع الاستهلاكية التي لا يتوقفون عن شرائها، ولكن ما إن يطالب أحدهم بفرض الضرائب على المواطنين، حتى يستشيط الكويتيون غضباً وكأن الجميع سيدفع الكمية نفسها من الدنانير مقابل الخدمات التي تنفذها الدولة، حتى لو شرحت لهم بالتفصيل الممل أن الضرائب ستطبق حسب مبدأ النسبة والتناسب.
وإذا كان هناك من يرى في مطالبة الحكومة مواطنيها بقبول مبدأ الضريبة في هذا الوقت كوسيلة مالية واجتماعية للارتقاء بالوطن، أنها مطالبة غير منطقية، من منطلق أن الإسراف والهدر بدأ من الحكومة، وأن شد الحزام ووقف النزيف المالي يجب أن يبدأ كذلك من الحكومة، أعتقد أن السلوكيات المالية التي ينتهجها كثير من المواطنين هي أيضاً غير منطقية ولا تعكس حقيقة واقعهم المالي المرير، وإلا فما معنى مطالباتهم بتحسين أوضاعهم المالية في وقت يعيشون فيه عيشة الأغنياء؟