إعادة تدوير المعارضة بصناعة حكومية
في كل برلمانات العالم يوجد أعضاء معارضون وأعضاء موالون، وهذا شيء طبيعي في الحياة السياسية بشكل عام، وتختلف توجهات المعارضة وأدواتها وأجندتها حسب كل دولة ومساحة الحرية والتعبير فيها، ففي بعض الدول يقوم المعارضون بدورهم من خارج بلادهم من خلال قنوات فضائية أو منصات إعلامية، ويمارسون دورهم السياسي في المعارضة، والنتائج قد تكون غير محققة على المدى القصير، ولأنها بحاجة على المدى البعيد لاقتناص الفرص السياسية ليعودوا إلى ممارستهم السياسية على أرض الواقع. في الكويت المشهد السياسي للمعارضة يختلف تماماً، وكذلك بورصة أسماء المعارضين تتغير من وقت لآخر حسب مصالحهم وارتباطات بعضهم مع الحكومة، وهناك الكثير من هذا الحديث الذي أصبح يتناقله بعض المواطنين، وهو أن الحكومة بدأت باستقطاب وصناعة وتبني معارضين لها، وإن كنا نختلف مع هذا التوجه جملةً وتفصيلاً إلا أنه ذكاء حكومي في الدخول إلى كواليس المعارضة ومعرفة توجهاتها وتحركاتها ومحاولة احتوائها والتحرر من الممارسات القديمة في تحجيم دور المعارضة وتكليف هذا الدور للمعارضين الموالين لها حتى تكون الفاتورة غير مكلفة عليها في القضايا التي تود طرحها، وتخشى ردود الفعل الشعبية، وكأن طبيعة الحال تقول هذا الفعل من المعارضة ومن الطبيعي أن تكون ردة فعل الشارع هادئة بسبب تقديس المعارضة وثقته العمياء بها.
وعلى الجانب الآخر من المعارضة الحرة نجد أنهم ليسوا على وفاق دائم، فكلهم يقيس من وجهة نظره الشخصية القضايا والأمور السياسية، ولا يبالي بالقياس والتوجه العام لمجموعة المعارضة، وغالباً ما يشق صفوفها هذا الفعل. وبتحليل فعلي وزمني لردة الفعل الأخيرة من الحكومة لتقليل كتلة المعارضين اتجهت لنهج اتخذته طيلة السنوات الماضية بطريقة قانونية ودستورية في شل تجمع قوى المعارضة، وتستخدمه متى استشعرت بالخوف والقلق من تكاتف وتوحيد صفوف المعارضة بكل أطيافها، وهو تغيير نظام التصويت الانتخابي لصوتين، وبعدها لأربعة أصوات، وأخيراً للصوت الواحد، وهنا تحتاج المعارضة على الأقل ثلاثة فصول تشريعية لانعقاد المجلس حتى تتمكن من هذا التكتيك، وتكون لها أغلبية فيه وعلى أرض الواقع حتى تنجح بعد جهود من هذا التكتيك. لذلك نرى الآن أنه يتم طرح قانون تعديل الدوائر الانتخابية إلى عشر دوائر، مما يخدم الطرف الحكومي والموالي لها، وبمرور هذا الاقتراح تكون الحكومة في السنوات الأولى من تطبيقه بحالة اطمئنان، وتتحكم في قيادة المشهد السياسي تحت قبة عبدالله السالم، ونعود إلى حال "كأنك يا بو زيد ماغزيت"، وهذه حالنا في مشهد مبهر للحكومة بتحقيق نجاح يحسب لها، بتشتيت أصوات الناخبين المؤيدين للمعارضة، وإشغال المعارضة بنفسها، ونحن كمواطنين نعيش في ديموقراطية نفتخر ونتباهى بها بالخارج، وهي في الداخل مسرحية بفصول مختلفة دائماً يدفع فاتورتها المواطن.