مع تبادل الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني الجديد أولاف شولتس تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من عواقب غير مسبوقة في حال شنت قواته المحتشدة على الحدود هجوما على أوكرانيا، كشف رئيس هيئة الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، أمس، عن جاهزية أكثر من 95 في المئة من منصات إطلاق الصواريخ الاستراتيجية النووية للاستخدام القتالي، مؤكدا أن الثالوث النووي يضمن ردع العدو المحتمل.

وقال غيراسيموف، أمام الملحقين العسكريين لدول أجنبية، "تحتفظ القوات النووية الاستراتيجية الأرضية بأكثر من 95 في المئة من منصات الإطلاق في حالة استعداد دائم للاستخدام القتالي"، موضحا أن قوات الصواريخ الاستراتيجية تواصل إعادة التسلح بمنظومات يارس، ويتم وضع منصات إطلاق صواريخ "أفانغارد" هي الأخرى في حالة جاهزية للاستخدام القتالي.

Ad

وأشار إلى أن "غواصة نووية أخرى مزودة بصواريخ بالستية من نوع بولافا، ستدخل قريبا في التشكيل القتالي للقوات النووية الاستراتيجية البحرية"، وأن "تحديث الطائرات الحاملة للصواريخ الاستراتيجية للقوات النووية الاستراتيجية مستمر، بما يضمن استخدامها لصواريخ حديثة عالية الدقة بعيدة المدى".

واعتبر أن تزويد أوكرانيا بالطائرات والمسيرات والمروحيات سيدفعها إلى القيام بخطوات خطيرة، مبينا أن قواتها بدأت استخدام أنظمة صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات في دونباس، والتي زودتها بها الولايات المتحدة، كما تستخدم طائرات مسيرة تركية.

واتهم رئيس هيئة الأركان الروسي أوكرانيا بعدم الوفاء باتفاقات مينسك، محذرا من أن أي استفزازات من قبلها لحل الوضع في دونباس بالقوة سيتم إحباطها.

في المقابل، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إن أوكرانيا ستتلقى هذا الأسبوع "أسلحة خفيفة وذخيرة"، أرسلتها الولايات المتحدة إليها في إطار خطة دعم وافق عليها الرئيس بايدن.

وفي ثاني حادث من نوعه هذا الأسبوع، تتبعت مقاتلتان روسيتان أمس الأول طائرتين حربيتين فرنسيتين وطائرة صهريج لتزويد الطائرات بالوقود في الجو، في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأسود.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية الكولونيل باسكال إياني إن الطائرات الفرنسية كانت تنفذ مهمة استطلاعية لحلف شمال الأطلسي، بما يتفق مع الأعراف الدولية. ووسط توترات في المنطقة، لازمت طائرة حربية روسية مقاتلتين فرنسيتين، في خطوة اعتبرتها موسكو تحركا لمنع سلاح الجو الفرنسي من دخول المجال الجوي الروسي*.

عواقب وخيمة

وغداة حديثهما لمدة ساعتين عبر الفيديو، اعتبر بايدن أمس الأول أن بوتين تلقى "رسالة" تحذير بعواقب اقتصادية وخيمة لم يرَ مثلها أبدا في حال أقدمت قواته على غزو أوكرانيا.

وإضافة إلى الإجراءات الاقتصادية، شدد بايدن على أن هجوما روسيا جديدا على أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي على أراضي دول حلف شمال الأطلسي، لطمأنة من هم على الضفة الشرقية (للحلف). إضافة إلى ذلك، أوضحت "أننا سنقدم وسائل دفاع للأوكرانيين أيضا".

ورغم تأكيده أنه سيقدم وسائل دفاع للأوكرانيين أيضا، اعتبر بايدن أن "فكرة استخدام القوة بشكل أحادي لمواجهة روسيا غير مطروحة للنقاش"، موضحا أن إرسال قوات أميركية للدفاع عن أوكرانيا في حال غزوها بدون اتفاق بينها وبين حلف الأطلسي أمر مستبعد.

وتابع: "لدينا واجب أخلاقي وقانوني تجاه حلفائنا في الناتو بموجب البند الخامس. إنه واجب مقدس. وذلك الواجب لا يشمل أوكرانيا، لكن ذلك سيعتمد على ما ترغب بقية الدول في القيام به أيضا"، في إشارة محتملة إلى عدم استبعاد فكرة التدخل.

وفيما يتعلق بزعم بوتين بأن توسع الحلف في الدول السوفياتية السابقة يشكل تهديدا، قال بايدن إن موسكو وحلفاء الأطلسي الرئيسيين يعملون على مستوى عالٍ "حول ما إذا كان بإمكاننا العمل على أي تسوية فيما يتعلق بخفض درجة التوتر على طول الجبهة الشرقية"، مضيفا أنه وبعض الحلفاء يعتزمون عقد اجتماع مع روسيا لخفض حدة التوتر بشأن أوكرانيا، حيث سيتناولون مخاوف بوتين إزاء الحلف.

من جانبه، رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي قال إنه مستعد للتفاوض مع بوتين، بمحادثة الثلاثاء، مضيفا: "أعتقد أن تحدث رئيس الولايات المتحدة مع الرئيس الروسي أمر إيجابي".

وبعد مكالمة هاتفية ثنائية مع نظيره الأوكراني، أطلع بايدن أمس قادة بلغاريا والتشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا الأعضاء في مجموعة بوخارست، على فحوى المباحثات مع نظيره الروسي، واستمع لآرائهم حول الوضع الأمني الراهن، والتأكيد على التزامه الأمن عبر الأطلسي، بحسب البيت الأبيض.

ضغط غربي

من جهته، اتفق وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال "على ضرورة فرض عقوبات سريعة وشديدة على روسيا" إذا تصاعدت حدة التوترات العسكرية على حدودها مع أوكرانيا.

واشتد الضغط الدبلوماسي على بوتين مع تحذير المستشار الألماني الجديد من "عواقب" على خط أنابيب نورد ستريم 2، الروسي الضخم لإيصال الغاز الطبيعي إلى ألمانيا، وقال شولتس: "موقفنا واضح جدا، نريد أن تكون حرمة الحدود محترمة من قبل الجميع، وأن يفهم كل طرف أنه في حال لم يحصل ذلك فستكون هناك عواقب".

وكان البيت الأبيض أشار بعد اللقاء مع بوتين إلى أن وقف خط أنابيب نورد ستريم 2 يمكن أن يكون جزءا من الرد الاقتصادي، رغم أن هذه المسألة مثيرة للجدل في أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.

كما انضمت فرنسا وبريطانيا إلى الدول الأوروبية التي تعالت أصواتها في دعوة الرئيس الروسي إلى ضبط النفس، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن روسيا ستواجه "عواقب استراتيجية وضخمة" في حال إقدامها على غزو جارتها، كما حذرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس من أن غزو روسيا لأوكرانيا سيكون "خطأ استراتيجيا"، متعهدة بالوقوف إلى جانب أوكرانيا في مواجهة هذا العدوان.

تقاعس إجرامي

لكن الرئيس الروسي دافع عن حشد ما يصل إلى 100 ألف عسكري على حدود أوكرانيا، واصفا الأمر بأنه إجراء دفاعي وسط مخاوف من انضمام الجمهورية السوفياتية السابقة إلى حلف الأطلسي.

وقال بوتين، في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، "ننتهج سياسة خارجية سلمية، ولدينا الحق في الدفاع عن أمننا"، معتبرا أن ترك حلف الأطلسي يقترب من الحدود بدون رد "تقاعس إجرامي"، وأكد "قلقه من احتمال قبول عضوية أوكرانيا في الناتو، لأن هذا الأمر سيعقبه دون شك نشر وحدات عسكرية وقواعد وأسلحة مما يشكل تهديدا لنا"، مشددا على أن "توسع الناتو شرقا قضية بالغة الحساسية" بالنسبة له.

في غضون ذلك، أكد وزير الدفاع الإستوني كالي لانيت أن احتدام المواجهة بين بوتين والغرب تسبب في أقوى تصعيد للتوترات في دول البلطيق منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود، مؤكدا أن حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية "مثل الضباب" لا تتضح نواياه.

وقال لانيت: "على مدار الثلاثين عاما الماضية، لم نشهد مثل هذه الأوقات والمواقف المضطربة في جوارنا"، محذرا من أن "دول البلطيق ستكون التالية في التعرض للضغوط".