عاد لبنان إلى صلب الاهتمامات العربية والدولية، وحضر الملف اللبناني في الجولة الخليجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ففي كل محطة خليجية، يصدر بيان مشترك، يتضمن بإحدى فقراته وبشكل بارز إشارات متعددة، وذات أهمية تتعلق بالملف اللبناني.

يؤشر ذلك إلى الاهتمام الخليجي، والسعودي تحديداً بلبنان، وهذه إشارة إلى أن الرياض لم تنسحب أو "تسحب يدها" من لبنان، إنما تريد استعادة التوازن وتعزيز الدولة اللبنانية وقدرتها للتمكن من إعادة تجديد ونسج العلاقات مع القوى العربية والدولية.

Ad

لابد من التوقف باهتمام أمام هذه التطورات، خصوصاً أن السعودية تسعى من خلال هذه المواقف إلى إظهار التضامن الخليجي والتوافق بشأن المقاربة المشتركة للملف اللبناني، وهي رسالة خليجية جامعة موجهة إلى القوى الأخرى.

يأتي هذا الاهتمام الخليجي في أعقاب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية وإصدار موقف مشترك يتعلق بالثوابت التاريخية للموقفين الفرنسي والسعودي حيال لبنان، لاسيما تطبيق القرارات الدولية، وحصر السلاح بيد الدولة، إضافة إلى توفير كل مقومات الاستقرار.

وذلك يدل على اهتمام استثنائي بلبنان ووضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة بانتظار ما ستحمله التطورات الإقليمية والدولية، وبانتظار إنجاز الاستحقاقات الرئيسية التي ينتظرها لبنان لاسيما الانتخابات النيابية والرئاسية.

أمام هذه الحركة الإقليمية المهتمة بلبنان، لا يزال الجمود السياسي يطغى على اليوميات اللبنانية، فكل المساعي، التي بذلت لم تؤد إلى الإفراج عن أسر الحكومة، فلا يزال مجلس الوزراء معطلاً بانتظار إيجاد صفقة داخلية تعيد إحياء عمله واجتماعاته بعد الوصول إلى اتفاق حول آلية التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت.

في هذا الوقت يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الاستعاضة عن التعطيل الداخلي بزيارات خارجية، فكانت آخر محطاته زيارة إلى القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وتشير مصادر متابعة للزيارة إلى أنها كانت إيجابية، تخللها تأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار اللبناني ومنع حصول أي توترات سياسية تؤدي إلى توترات أمنية، بالإضافة إلى البحث في تعزيز المساعدات الإنسانية الواجب تقديمها لتجنيب البلاد انفجاراً اجتماعياً.

وتفيد المصادر المتابعة بأن البحث أيضاً تناول أفق التعاون في سبيل الوصول سريعاً إلى توقيع عقود توريد الغاز المصري إلى لبنان في الأشهر المقبلة، وتقول المصادر:" إن مصر أصبحت قريبة جداً من إنجاز كل الآليات والسبل القانونية للحصول على إعفاءات من "قانون قيصر" والبدء بتوريد الغاز إلى لبنان، ومن المتوقع أن يتم البدء بالعملية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".

هذه الخطوة من شأنها أن تخفف من حدّة الأزمات المتوالية في لبنان وتوفير متنفس جديد لتجنب حصول انفجار اجتماعي.

لكن حتماً لا يمكن اعتبار هذه الحلول الآنية أو المسكنات بمنزلة الحلول النهائية، يبقى لبنان بحاجة إلى تسوية إقليمية ودولية كبرى ترسي قواعد توافق جديدة لإعادة إنتاج السلطة ووضع خطة واضحة للخروج من الأزمات المتوالية، هذا حتماً يرتبط بحسابات متعددة، أبرزها إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية والرئاسية، بالتزامن مع تكريس الاستقرار لتمرير الاستحقاقين بحد أدنى من الهدوء النسبي.

وبعد إنجاز الاستحقاقات، تقول مصادر ديبلوماسية غربية، إن الملف اللبناني سيكون مطروحاً بجدية على طاولة البحث عن تسوية سياسية شاملة، يتم بموجبها طرح كل الملفات العالقة داخلياً وعلى صعيد العلاقات مع الدول العربية، خصوصاً في ضوء المواقف السعودية والخليجية الواضحة بشأن السياسة الخارجية الواجب اعتمادها وتكون منسجمة مع المصلحة العربية وغير متعارضة معها.

منير الربيع