«زمّور» العنصرية
![د. بلال عقل الصنديد](https://www.aljarida.com/uploads/authors/279_1682431680.jpg)
وفي السياق لم يخجل "زمور" من المجاهرة بأنه "كان الأجدر بوالدي لاعب كرة القدم زين الدين زيدان أن يطلقوا عليه اسم "جان زيدان" بدلا من زين الدين احتراماً للقانون النابليوني الذي بقي سارياً حتى عام 1993".يؤسس "زمور" حملته الانتخابية على فكره العنصري الرافض لكل المظاهر الثقافية والدينية واللغوية التي يتمسك بها أبناء الجاليات الإفريقية والعربية والمسلمة في فرنسا، ويحمل في سبيل ترويج أفكاره شعار "الاندماج في الثقافة الفرنسية" الذي يريد منه دفع الأجانب والمهاجرين المجنسين الى الذوبان والانصهار في المجتمع الفرنسي دون الاعتبار لأي انتمائية أو قناعة أو تقليد أو قيمة قد يحملونها من مجتمعاتهم الأساسية، الأمر الذي يستحيل تطبيقه عملياً، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تكريس "صراع الحضارات" لا تعزيز "تفاعل الثقافات".كلّي ثقة بأن الشعب الفرنسي- مهما كان ممتعضاً أو متأذياً من تصرفات بعض المهاجرين الذين يعانون عقداً تاريخية وأزمات نفسية وفورات عصبية- سيكرر موقفه المشرف الذي اتخذه في انتخابات عام 2002، ولن يتنكّر لشعار جمهوريته الذي يعتز به "حرية، مساواة، أخوّة" مما سيقطع الطريق أمام "زمور" في الوصول إلى قصر "الإيليزيه" ومما سيمنعه حتى من أن يحصل على نسبة مئوية معتبرة في الانتخابات الرئاسية القادمة.***العنصرية آفة ليست من منظور ديني وأخلاقي وقيمي فقط، بل حتى من منظور المصلحة الوطنية العليا، فلا يمكن لأي مجتمع أن يشارك في ركب الحضارة الإنسانية إذا ما تنكّر للإنسانية نفسها، ولا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها إذا لم يشارك في بنائه الأكفاء من شتى أنحاء الأرض، ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو من غير انفتاح تجاري واجتماعي، ولا يمكن لأي ثقافة أن تزدهر إذا بقيت حبيسة التقاليد والحذر من الاختلاط التفاعلي بثقافات أخرى. ***يجرنا الحديث لتحية المرأة الحديدية المستشارة الألمانية التي أنهت حياتها السياسية طوعاً وهي في عزّ مجدها السياسي حاكمة لواحد من أكبر اقتصادات أوروبا والعالم، تلك المرأة الوطنية المسيحية الديموقراطية التي يناديها المهاجرون "ماما ميركل"، بما يوحي أنها من بين القلة التي تصغي حقاً لرسول الإسلام الأكرم بقوله "ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية"، ومن بين الذين يطبقون- ربما من غير أن يؤمنوا- قوله تعالى في محكم تنزيله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".فالعصبية لا تنسجم مع التمسّك بالقيم والتقاليد، كما أنها لا تخدم الوطنية والحصانة المجتمعية، ذلك لأن من مصلحة أي مجتمع أن يوازن بين تمسكه بجذوره التاريخية وخصوصيته المحلية من جهة، والتفاعل الإيجابي مع المجتمعات الأخرى من جهة ثانية.فإذا أراد أي من المجتمعات الشرقية أو الغربية، الإسلامية أو غير الإسلامية، أن يبقى بمنأى عن "الجاهلية" وفكرها العنصري التفريقي، فليس عليه إلا أن يطلق "زمور الخطر" بوجه عصبية "زمور" وأمثاله، بحيث لا يبقى لكل تفرقة إثنية أو قبلية أو طبقية ولا لأي تمييز من حيث الحضارة أو الجنسية أو الدين أو الانتماء أي مجال للتحكم في زمام الأمور ومصادر عيش الناس.* كاتب ومستشار قانوني