لندن بين 1966 و 2021
في عام 1966 سافرت لأول مرة في حياتي إلى أوروبا، وكانت العاصمة البريطانية لندن هي المحطة الأولى، كنا مجموعة من الطلبة الدارسين في الثانوية عندما علمنا أن هناك رحلة ستنظم لدراسة اللغة الإنكليزية في فترة الصيف إلى مدينة بورنموث التي تقع في الساحل الجنوبي لبريطانيا، والتكلفة حوالي ٥٠٠ دينار على ما أظن لكل فرد، تشمل تذكرة الطيران والسكن عند عائلة بريطانية، وتلقي اللغة الإنكليزية في إحدى المدارس لشهر تقريبا. عندما حطت الطائرة على مدرج مطار هيثرو الإنكليزي، وأنهينا إجراءات الوصول، أعجبنا بهذا المطار الكبير الذي تطير منه وتصل إليه الكثير من طائرات العالم، وقد استقللنا الحافلة متجهين إلى مدينة بورنموث مروراً بالعاصمة لندن، حيث كان الوقت نهاراً فانبهرنا بالحدائق الكبيرة جداً التي يؤمها الكثير من الإنكليز خصوصاً في أيام العطل الأسبوعية وغيرها من أيام الأسبوع، وهم يجلسون تحت أشعة الشمس أو يمارسون الرياضة، وبعضهم يمشي مع كلبه، وبعدها سارت بنا الحافلة عبر الطريق الريفي الجميل الذي أبهرنا هو الآخر، حتى وصلنا إلى وجهتنا الأخيرة، وتم توزيعنا على العائلات الإنكليزية للسكن معها، وكذلك جدول الدراسة في المدرسة. وكانت هذه الفترة من أجمل الفترات التي عشناها في بريطانيا، فعندما نذهب إلى لندن في عطلة نهاية الأسبوع كنا نفرح عندما نسمع بعضهم يتكلمون العربية وهم قلة لأننا في الغربة، وإذا شاهدنا كتاباً باللغة العربية أو جريدة عربية في أي مكتبة كنا نطير من الفرحة، وكان الأجانب في بريطانيا قليلين جداً، كنا نرى الإنكليز يعملون في كل المهن كسياقة الحافلات وبيع التذاكر في الحافلات، ونراهم في الأسواق يعملون، وقلة قليلة من الأجانب نراهم في الشوارع أو المحلات أو أي مهنة أخرى، وبعد عدة سنوات أخذت العمالة الأجنبية تجتاح بريطانيا، وخصوصاً من الدول الأوروبية ودول الكومنولث.
في زيارتي الأخيرة إلى العاصمة البريطانية لندن شاهدت تغيرات كبيرة لوجود العمالة الأجنبية في بريطانيا، فالحافلات وسيارات الأجرة والمتاجر الكبيرة والمقاهي والمطاعم والعمالة وغيرها تكاد تخلو من العنصر البريطاني، وتزايدت هذه الظاهرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن ملاحظاتي في رحلتي الأخيرة في الجزء الأخير من عام 2021 مقارنة بعام 1966 هي الآتي: تضاعف أعداد الأجانب مقارنة بأعداد الإنكليز في مجالات لم يطرقوها سابقا، كالعمل في المستشفيات والمصارف وتجارة التجزئة وقيادة الحافلات ومحطات الوقود وأعمال النظافة والطرق وغيرها. ومن الملاحظات التي لفتت نظري استخدام آلة التنبيه (الهرن) من كثير من الحافلات وسيارات الأجرة وغيرها، وأيضا تخطي الكثير من المشاة الإشارات الحمراء، وهذه لم تكن موجودة في السابق، كما أن جائحة كورونا وغيرها أثرت على بريطانيا من الناحية الصحية والاقتصادية، والإجراءات الصحية أصبحت متشددة، ويلزم لبس الكمام في الحافلات والقطارات الأرضية (أندر غراوند) وكثير من المحلات والمستشفيات تطلب من الزبائن لبس الكمام، ومن تأثير كورونا على الاقتصاد البريطاني أن بعض المحلات أغلقت أبوابها وخفضت عمالتها، أما عن ضريبة المشتريات التي كان يحصلها السائح في السابق لمشترياته عند مغادرته بريطانية فألغيت أيضاً نظراً للظروف الاقتصادية. فكثير من الأمور تغيرت في بريطانيا منذ فترة الستينيات حين زرتها للمرة الأولى في حياتي إلى يومنا هذا في عام 2021 الذي يلفظ أنفاسه بعد عدة أيام، فلا شك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة كورونا كان لهما تأثير على الاقتصاد البريطاني، وكذلك زيادة العمالة الأجنبية، خصوصاً من دول الكومنولث وآسيا وإفريقيا ودول الكاريبي، فبريطانيا رغم كل ذلك تبقى دولة قوية وكبيرة عالميا.