الاحتكار في الكويت، على أهميته، من الموضوعات النادر تناولها في الصحف المحلية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. الكويتيون بغالبيتهم الساحقة يعملون في الحكومة، والحكومة، وبدعم من مجلس الأمة، ما انفكت تدعو الشباب للانخراط في القطاع الخاص، ولعل خير شاهد على ذلك هو إنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقانون صدر في أبريل 2013 وبرأسمال بلغ بليونَي دينار. وكذلك إنشاء جهاز حماية المنافسة بقانون رقم 72 في عام 2020 لتعبيد وتيسير طريق الدخول إلى السوق الكويتي.
هل في الكويت احتكار؟ الإجابة هي نعم، بل هو احتكار مجحف، متمثل بالدرجة الأولى باحتكار إصدار تراخيص التعليم العالي والخاص، والرعاية الصحية، والنقل الجوي والبري العام، والاتصالات اللاسلكية، وغيرها من القطاعات. ومن الأمثلة الصارخة على الاحتكارات التي لامست حياة المواطن في الآونة الأخيرة، هو «لوبي» شركات العمالة المنزلية، الذي يجلب العامل المنزلي من موطنه بتكلفة لا تتجاوز الخمسمئة دينار، ثم يعرضه على المواطن بمبلغ يقارب الألفي دينار!تهدف قوانين منع الاحتكار (أو حماية المنافسة) إلى تعزيز الأسواق الحرة والمفتوحة، ومنع المنافسة غير العادلة. ومن الممارسات التي تسعى هذه القوانين إلى منعها، هي: اتفاق الشركات على تقسيم السوق فيما بينها، أو اتفاقها على تثبيت الأسعار عند مستويات عالية، أو اتفاقها على عدم المنافسة، كي يُعاد طرح المناقصة بميزانية مُبالغ فيها، أو اتفاقها على إخراج المنافسين الجدد أو الصغار من السوق، من خلال تقديم عطاءات أقل من أو عند سعر التكلفة. تؤدي مثل هذه الممارسات إلى إلحاق الضرر بالشباب المبادر الذي يصعب عليه دخول أسواق مهمة، والمستهلك الفرد الذي يدفع أثماناً مضاعفة على سلع وخدمات مقارنة بدول مجاورة، كما تُلحق الضرر بالدولة – كما هو حال في الكويت - التي تفضل التعاقد مع شركات محدودة، وبعضها عائلي، لتنفذ مشاريع رأسمالية كبرى أو لتشتري معدات دفاعية وأمنية من دول أجنبية، مستخدمة في ذلك أموالاً عامة.وما يسهل ويشجع الممارسات الاحتكارية في الكويت السرية التامة التي تُحاط بها الصفقات الأمنية، التي يصعب كشفها إلا من أطراف متنفذة داخل المنظومة الأمنية. وكذلك نظام الوكيل المحلي، الذي يقوم بحصر بيع سلع مهمة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية على شركات محدودة. الحجة التي يتم استخدامها لتبرير نظام الوكيل المحلي هي: «أننا لا نستطيع أن نجبر الموكّل (الشركة الأجنبية) على ألا يختار وكيلاً بعينه». المضحك في الأمر، هو أن الموكّل نفسه يعلم تماماً طبيعة سوق الكويت الذي تسيطر عليه عائلات معينة، وبالتالي هو حتماً سيختار إحدى تلك العائلات لتمثيله! ومن المفارقات الغريبة في الكويت ممارسات الاحتكار التي تقوم بها شركات حكومية، باستحواذها على عقود حكومية على حساب شركات خاصة منافسة. الحقيقة أنه من الصعب أن تجد دولة – وخاصة من دول العالم الثالث – لا يوجد فيها احتكار، لكن للاحتكار درجات، والكويت ضمن الدول الأعلى احتكاراً في العالم! ففي آخر إصدار لمؤشر التنافسية المحلي (Domestic Competition) الذي يقيس التأثير المشوّه للضرائب والدعوم على المنافسة، والهيمنة على السوق، والمنافسة في الخدمات، نجد أن ترتيب الكويت هو الأسوأ خليجياً (71 من بين 141 دولة)، كما هو مبين في الشكل.أما مسببات الاحتكار، فهي إما تشريعية أو تنفيذية. فمجلس الأمة هو المعني الأول بتشريع القوانين التي من شأنها محاربة الاحتكار، فيما يقع على عاتق الحكومة التنفيذ الجدي والصارم لمنع الاحتكار، لكن ذلك لا يعفي مجلس الأمة من مسؤوليته الرقابية. لذلك، ندعو إلى ما يلي:1. مراجعة مجلس الأمة لقانون حماية المنافسة بالنظر إلى أفضل الممارسات الدولية في مجال منع الاحتكار، وإجراء التعديلات إن لزم الأمر.2. مراجعة الحكومة لفاعلية تنفيذ أجهزتها لقانون حماية المنافسة بالنظر إلى أفضل أساليب التطبيق في العالم، واتخاذ الإجراءات العلاجية المناسبة.3. متابعة جهاز حماية المنافسة لتطور أداء الكويت في مؤشرات التنافسية، ونشر النتائج في الإعلام وإصدار التقارير المُشخّصة.4. ممارسة قوى المجتمع المدني، مثل الجمعية الكويتية لحماية المستهلك والجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام، لدورهم في توعية المجتمع، وتقديم المشورة للجهات المعنية، وتفعيل أدوات الضغط والمساءلة الشعبية إذا كان هناك تقصير.هناك دعوات محمومة للخصخصة أخيرا، وخاصة مع صدور الخطة الإنمائية الثالثة 2020 – 2025 التي جعلت الخصخصة عنواناً لها، ونحن بالتأكيد لسنا ضد الخصخصة، لكن تجارب الأمم علمتنا أن الخصخصة بغياب جهاز حكومي فعَّال تؤدي إلى نتائج وخيمة، خصوصاً في مجتمع مثل المجتمع الكويتي، الذي يطغى عليه البُعدان العائلي والقبلي!
مقالات
وجهة نظر: الاحتكار في السوق الكويتي
12-12-2021