في بريطانيا إخفاقات حكومة جونسون لا تتوقف!
قام نحو 300 عنصر من القوات المسلحة بمناورات في أجزاء ريفية من شمال شرق إنكلترا وأسكتلندا لتفقّد وضع الناس الضعفاء غداة العاصفة "أروين" و"لتقديم التطمينات" وفق مصادر وزارة الدفاع البريطانية.في نظام أكثر استبداداً، كانت هذه العبارة ومشاهد الجنود الذين يتنقلون من باب إلى باب لتحمل معنىً سلبياً، ففي بريطانيا، لا يُعتبر هذا الوضع مثيراً للجدل، لكنه لا يشير بالضرورة إلى سياسة صحية، ويُفترض ألا يكون اللجوء إلى الجيش لإنقاذ السلطات المدنية جزءاً من المحرمات، لكن يجب ألا يتحول أيضاً إلى ظاهرة اعتيادية.خلال أزمة كورونا، زادت النزعة إلى استعمال ما تسمّيه الحكومة البريطانية "المساعدات العسكرية للسلطات المدنية"، حيث أنشأ الجنود مستشفيات ميدانية، ونقلوا الناس والمعدات الواقية من مكان إلى آخر، وقدّموا الدعم اللوجستي اللازم لبرامج الفحوصات والتلقيح، وكان مسعفو الجيش من العاملين في الخطوط الأمامية.
نظراً إلى ضخامة أزمة كورونا، استلزم الوضع ما يشبه التعبئة العسكرية في زمن الحرب ولم تكن بريطانيا الدولة الوحيدة التي اتكلت على قواتها المسلحة، لكن ثمة فرق بين تقديم مساعدات مؤقتة والتحوّل إلى سَنَد كامل للدولة التي تعجز عن التكيّف مع المصاعب. تعكس الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات شكلاً أعمق من الشوائب في عمل الحكومة، وهذا ما يوصلنا إلى عملية الإجلاء في كابول.كانت الأزمة هناك عسكرية بطبيعتها أصلاً، وواجهت السلطات المدنية جميع أنواع الضغوط كي تُحقق الهدف النهائي لكنها فشلت، فقد كان الأداء البريطاني في هذه العملية "شائباً" و"فوضوياً" وفق شهادة مُخبِر في الخدمة المدنية خلال تحقيق برلماني. يقول رافاييل مارشال، مسؤول سابق في وزارة الخارجية، إن المشهد في مكتب الشؤون الخارجية حينها كان يعكس فشلاً مؤسسياً وفردياً واضحاً على جميع المستويات. يقال إن دومينيك راب، وزير الخارجية السابق ووزير العدل الحالي، هو شخص متردد ومهووس بفرض سيطرته، فركّز على طريقة تنسيق الوثائق بدل مراجعة محتواها وأخّر اتخاذ الخطوات اللازمة للتعامل مع الأفغان اليائسين الذين أرادوا الهرب من قوات "طالبان" الحاقدة.لكن ينكر راب جزءاً من كلام مارشال، فهو يعترف بأهمية استخلاص الدروس مما حصل، لكنه لا يُحدد تفاصيلها، بل إنه اكتفى بتعبيره سابقاً عن ندمه لأنه حاول التعامل مع الأزمة أثناء وجوده على شاطئ في جزيرة "كريت"، وكانت إقالته من مكتب الشؤون الخارجية لاحقاً عقاباً له لأنه أخطأ في تقديراته، إذ لم تكن تهمة راب تتعلق بقلة كفاءته، بل بفشله في إبعاد عناوين الأخبار السيئة عن الحكومة البريطانية، فهو لا يزال جزءاً من الحكومة ونائب رئيس الوزراء. لكن لا تقع جميع إخفاقات الحكومة على عاتق الوزراء وحدهم، وانطلاقاً من شهادة مارشال، يظن المحافظون أن برنامج الإجلاء فشل بسبب عدد العاملين من منازلهم في هذه الفترة، ونتيجة ثقافة تهتمّ أولاً بإيجاد التوازن المناسب بين العمل والحياة الشخصية لدرجة أن تطغى الرغبة في الحفاظ على حياة مريحة على الخدمة العامة بنظر البعض.يظن اليمينيون أن الخطأ الأساسي يتعلق بآلية الخدمة المدنية البالية والمليئة بامتيازات مفرطة، وهي لا تتماشى مع تحديات القرن الحادي والعشرين، لكن يقول اليساريون إن سياسة التقشف حرمت الدولة من الأصول التي تحتاج إليها لأداء مهامها بالشكل المناسب.قد يكون الطرفان محقَين، وربما تفتقر البيروقراطية غير المُعدّلة إلى القدرة اللازمة على التعامل مع حالات الطوارئ المعقدة، ويسهل أن تصبح الجهات التي تفتقر إلى التمويل مثقلة بالأعباء، لكن القيادة الخرقاء والجبانة تؤثر على الوضع في مطلق الأحوال، فتُحوّل التعقيدات إلى أزمات كبرى.تتعدد الشوائب في الدولة البريطانية، وهي تعود إلى ما قبل الحكومة الراهنة، وتكثر المشاكل الإدارية الشائعة في جميع المنظمات الكبرى، الخاصة منها والعامة، لكن يسود شكل من الضعف الأخلاقي في نظام بوريس جونسون، وهذا ما يوصل الاختلالات الإدارية إلى مستوى غير مسبوق، كما تتعلق المشكلة الأساسية بعدم الجاهزية والتردد، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متهورة لها عواقب مريعة، ثم يعمد الجميع إلى التهرب من المسؤولية، وقد اتّضحت هذه المشاكل كلها عند التقصير في أداء الواجبات المطلوبة في أفغانستان.حين وصلت تداعيات الأزمة إلى راب وجونسون، لم تعد الظروف تسمح بالسيطرة على الوضع، ولم يكن خيار استدعاء القوات المسلحة وارداً لأنها كانت منتشرة في كابول أصلاً، حيث تقوم بواجباتها على عكس ما يحصل في المقرات الرسمية في بريطانيا. هذا ما يحدث حين تُدار الحكومة من جانب أشخاص مولعين بالسلطة لكن غير مستعدين لتحمّل الأعباء التي ترافقها، كما يتابع الأفغان دفع ثمن تلك الغطرسة حتى الآن بعدما دعوا بريطانيا إلى تأمين ملجأ آمن لهم لكنهم لم يلقوا أي جواب.