وسط توترات متصاعدة بسبب الحشد العسكري المتبادل على حدود أوكرانيا، ووصول العلاقات لأدنى مستوياتها منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، سعت مجموعة الدول الصناعية السبع (G7)، إلى تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا، التي حذرت من خطر وقوع مواجهة كبيرة مع الغرب ما لم تفكر الولايات المتحدة وحلفاؤها بجدية في تقديم ضمانات أمنية لها، مشيرة أيضاً إلى احتمال حدوث أزمة صواريخ أوروبية.وعشية استضافة مدينة ليفربول اجتماع وزراء خارجية "G7"، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في إيجاز صحافي أمس الأول، "إذا كان خصومنا على الجانب الآخر، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ومعها أيضاً دول أخرى، حلفاؤها، ما يسمى الدول المتماثلة التفكير، إذا رفضت إعطاء ضمانات وحاولت نسف ذلك، من الحتمي أنها ستجني مزيدا من التردي للوضع الأمني لها"، مضيفاً: "عدم الموافقة سيكون معناه الاقتراب من مواجهة كبيرة".
وإذ أكد أن روسيا تنتظر لترى ما سيؤول إليه طلبها، رغم أنه من "السذاجة" توقّع الحصول على الضمانات، حثّ ريابكوف الغرب أيضاً على أن يبحث بجدية اقتراحاً مطروحاً منذ وقت طويل بفرض حظر على نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في أوروبا، والتي كان نشرها محظورا بموجب اتفاق صاروخي انهار في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.وانتقد ريابكوف الولايات المتحدة وشركاءها في حلف شمال الأطلسي بسبب تمدد القدرات العسكرية لتلك الدول إلى شرق أوروبا. وقال: "نريد قبل فوات الأوان تجنب أزمة صواريخ جديدة في أوروبا. ظهور الأسلحة القصيرة والمتوسطة المدى في هذه الأراضي طريق مباشر لمواجهة متصاعدة".وخلال مكالمته مع نظيره الأميركي جو بايدن، طلب الرئيس فلاديمير بوتين ضمانات ملزمة قانوناً بأن حلف الأطلسي لن يتوسع شرقاً وإسقاط انضمام أوكرانيا إليه وعدم نشره أنظمة أسلحة هجومية في الدول المتاخمة لروسيا. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن المسؤولين الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين في المراحل الأولى من تنظيم محادثات مع الروس بشأن "عدد لا يحصى من الشكاوى" قدّمها الرئيس فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والبيئة الأمنية الأوروبية التي تهدد موسكو بشكل مفرط، مبينة أن مطالب بوتين وتقديم تنازلات في المقابل تختبر وحدة الحلف المكون من 30 دولة.وأضافت أن بعض القادة يعتقدون أن "التحدث إلى الروس، وربما تقديم تسهيلات، لمعالجة مخاوف بوتين وتجاهل خطوطه الحمر، ومنها ضم أوكرانيا للحلف، أمر يستحق درء حرب جديدة في أوروبا قد تكون أكثر فتكاً بكثير من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014".
خطأ إستراتيجي
في المقابل، حذّرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس ونظيرها الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، روسيا من أن توغلها في أوكرانيا سيكون "خطأ استراتيجياً تترتب عليه عواقب وخيمة".وعلى هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة الدول السبع في ليفربول، عبّرت تراس وبلينكن عن القلق العميق لحشد القوات الروسية على الحدود، واتفقا على الوقوف بجانب أوكرانيا و"أهمية الدفاع عن الحرية والديموقراطية وتعزيزهما والحاجة إلى توحيد الأهداف والغايات من قبل مجموعة الدول السبع لتحقيق ذلك".وخلال الاجتماع، دعت تراس نظراءها في أميركا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان إلى إظهار "جبهة موحدة ضد السلوك الخبيث"، على خلفية الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، وفق صحيفة الغارديان.وقالت تراس، قبل الاجتماع، "في نهاية هذا الأسبوع، ستتخذ الديموقراطيات الأكثر نفوذا في العالم، موقفا ضد المعتدين، الذين يسعون إلى تقويض الحرية، وستبعث رسالة واضحة مفادها أننا سنظهر كجبهة موحدة، وأريد أن تعمق دول مجموعة السبع علاقاتها في مجالات مثل التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والأمن، حتى نتمكن من الدفاع عن الحرية والديموقراطية وتعزيزهما في كل أنحاء العالم. وسأدافع عن ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة".وفي أول خطاب رئيسي لها بشأن السياسة الخارجية، حذّرت تراس من أن روسيا سترتكب "خطأ استراتيجيا" إذا غزت أوكرانيا، وبريطانيا ستسعى للإضرار باقتصادها، كما أطلقت مبادرة لتعزيز الاستثمارات وزيادة الدعم الأمني والاقتصادي بعدة دول، في محاولة لمنافسة مشروع "الحزام والطريق" الصيني.وأشارت الصحيفة إلى مناقشة جانبية تنوي تراس عقدها مع نظيرتها الألمانية، بشأن خط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 2"، لتقليل "اعتماد الغرب على الطاقة والتكنولوجيا من الأنظمة الاستبدادية".الأطلسي وشولتس
وفيما "لم يقدّم بايدن أي تنازلات" لنظيره الروسي، رفض الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أمس الأول، طلب "الخارجية" الروسية مساء أمس الأول سحب دعوة وجّهها "رسمياً" 2008 لانضمام أوكرانيا وجورجيا إليه.وقال ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس: "لا يمكننا أن نقبل أن تحاول روسيا إعادة إرساء نظام تكون للقوى الكبرى فيه، مثلها مناطق نفوذ، ويمكنها فيه أن تتحكم أو تقرر ما يمكن أن يفعله أعضاء آخرون، لن نقوم بأي تسوية على حق كل دولة في أوروبا في اختيار مصيرها".من جهته، أعرب شولتس في بروكسل عن "قلق بالغ" لدى ألمانيا بإزاء الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى "أن يبقى حازماً" حيال موسكو.وأعلن المستشار الألماني الجديد والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائهما في وقت سابق في باريس عزمهما على مواصلة الوساطة الفرنسية - الألمانية في الأزمة الأوكرانية، في مبادرة وصفها شولتس بأنها "قاعدة إيجابية".تأمين الحدود
وفي حين بحث بايدن مع شولتس خلال اتصال للتهنئة بتولّيه منصبه التوترات الراهنة على الحدود وحشد روسيا عشرات آلاف العسكريين لغزو جارتها، أفادت وزارة الداخلية الأوكرانية، بأن الولايات المتحدة خصصت 20 مليون دولار، لمشروع جديد لتعزيز الحدود مع روسيا وبيلاروسيا، مبينة أن المشروع ينص على إمكانية تزويد الخدمة الحدودية بأنظمة الطائرات المسيّرة، والمركبات الخاصة، ومعدات المراقبة بالفيديو، والاتصالات، والمعدّات العسكرية.واعتبر السيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، أن ضعف بايدن، يؤدي إلى كارثة في السياسة الخارجية، ويصب في مصلحة "الدول السيئة مثل روسيا والصين"، مؤكداً أن الهجوم على أوكرانيا أصبح ممكنا بسبب استسلامه لبوتين وحصره الحديث قبل كل شيء على استهداف خط "نورد ستريم 2".وقال كروز إن الأميركيين سيشعرون بعواقب الهروب "المخزي" من أفغانستان لفترة طويلة، و"نرى أن الأشرار مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية يصبحون أسوأ، إذ لا يثقون بأن الرئيس قد يتخذ أي إجراءات".من جهته، وصف الرئيس الكرواتي، زوران ميلانوفيتش، زيارة رئيس الوزراء، أندريه بلينكوفيتش إلى أوكرانيا، بأنها "خداع صريح"، مضيفاً أنه "سيفر إلى بروكسل إذا ساءت الأمور".وقال بلينكوفيتش، في ختام زيارة رسمية استمرت يومين لمدينة لفيف: "عززت تلك الزيارة الصداقة مع زغرب، لكن تلك العلاقة ليست بأي حال من الأحوال موجهة ضد روسيا"، متعهداً بمساعدة أوكرانيا في تحقيق أولويتين رئيسيتين، هما إعادة دمج أراضيها المحتلة والانضمام للاتحاد الأوروبي بشكل سلمي.