لا تزال منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق ديناميكية في العالم، فهي تخوض تحولات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية لا تؤثر على دول الخليج فحسب، بل يمتد تأثيرها إلى القوى العالمية التي تتنافس على كسب النفوذ، وتُعتبر العلاقات بين إيران والصين محركاً أساسياً للتغيرات الحاصلة راهناً.

التعاون بين هذين البلدين ليس جديداً، بل إنه قيد التطوير منذ الحرب الإيرانية العراقية (بين العامين 1980 و1988). نشأت صداقتهما البراغماتية في الأصل خلال هذه الحرب، فأطلقت شراكة بدأت تقوي اليوم مكانة إيران الاقتصادية والإقليمية وتمنح الصين بصمة استراتيجية في الشرق الأوسط، إنه عامل بالغ الأهمية في سياق العلاقات الصينية الإيرانية وفي إطار المساعي الصينية لتحدّي الهيمنة الأميركية.

Ad

لطالما اعتُبِرت العلاقات الصينية الإيرانية مهمة من الناحية الاقتصادية، وكانت روابطهما التجارية واسعة لدرجة أن تصبح إيران أهم شريكة تجارية للصين في الشرق الأوسط كله، فكانت هذه العلاقة متبادلة المنافع وأساسية بالنسبة إلى إيران التي انشغلت بالتعامل مع مسائل مرتبطة بالحرب وتحديات اقتصادية وسياسية أخرى.

على مر الحرب الإيرانية العراقية زادت التبادلات الدبلوماسية بين البلدين، منها زيارة رئيس البرلمان الإيراني هاشمي رفسنجاني إلى الصين في عام 1985، فكانت جهود الصين الدبلوماسية في المنطقة واسعة، وقد اتضح ذلك حين أدت دور الوساطة لاستضافة وفود من العراق وإيران بهدف إنهاء الحرب، وكانت هذه الاستراتيجية مفيدة جداً للصين، فقد منحتها مصداقية كبرى وبصمة قوية في منطقة الخليج، مما سمح لها بتقوية وضعها السياسي والاقتصادي بهدوء.

من الواضح أن الصين وإيران تؤمنان بقوة شراكتها واستمراريتها نظراً إلى علاقتهما القائمة منذ أكثر من أربعين سنة، وهما تحرصان على متابعة التعاون لتحقيق مصالحهما المشتركة، وزاد التقارب بين البلدين تدريجاً في زمن الحرب ونظراً إلى اشتداد الحاجات الاقتصادية، لكن أسهمت روابطهما الدبلوماسية المتزايدة في نشوء علاقة استراتيجية تتضح اليوم في محاولة إيران الأخيرة الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون"، والاتفاق الاستراتيجي الذي يمتد على 25 سنة بين إيران والصين، ومشاركة إيران في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.

من المتوقع أن تؤدي الشراكة الاستراتيجية تحديداً إلى توسيع نطاق النفوذ الصيني في المنطقة، تزامناً مع تخفيف الضغوط الاقتصادية التي فرضتها العقوبات والعزلة الدولية على إيران. يرتبط كل جانب من هذا الاتفاق مباشرةً بأهداف "مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ ونواياها الاستراتيجية، إذ من المنتظر أن يصبح دور إيران في الشرق الأوسط وقوتها السياسية في المنطقة عاملَين أساسيَين لضمان نجاح تلك المبادرة، وتُعتبر الشراكة الصينية الإيرانية، بشكلها الراهن، ضرورية للطرفَين: بالنسبة إلى الصين، تعكس هذه الشراكة مسار تقدّم "مبادرة الحزام والطريق" في الشرق الأوسط، أما إيران، فهي تعتبرها مفتاح نجاح الاقتصاد الإيراني المثقل بالعقوبات، كذلك، تُحقق هذه الشراكة مجموعة من المصالح الإيرانية والصينية المشتركة عبر التصدي للهيمنة الأميركية.

من المتوقع أن تتابع هذه العلاقة ازدهارها في مجالات استراتيجية أساسية، مما يسمح بترجيح الكفة الاستراتيجية لمصلحتهما لأن الاتفاقيات المبرمة بينهما ستقوّي الروابط الاقتصادية والسياسية والدفاعية بين البلدين، ومن وجهة نظر الصين، ستساعدها العلاقات القوية مع إيران في زيادة نفوذها وتحقيق مصالحها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وباكستان، وأماكن أخرى، على المدى القصير والطويل.

لكن يحمل بعض الإيرانيين موقفاً حذراً تجاه علاقة إيران والصين، على اعتبار أن هذه الشراكة تفيد الصين أكثر من إيران، فذهب البعض إلى حد مساواة هذه العلاقة بمعاهدة "كلستان" من عام 1813 ومعاهدة "تركمنشاي" من عام 1828، حيث تنازلت إيران عن أجزاء من أرضها في القوقاز لروسيا، وأصبحت هاتان المعاهدتان رمزاً للهزيمة بنظر عدد كبير من الإيرانيين، لكنّ علاقة إيران مع الصين، بما في ذلك اتفاق التعاون الأخير، تعطي المنافع لطهران، حتى أنها قد تقوي البلد على مستويات عدة وقد تشمل خوض مفاوضات مع الولايات المتحدة وجهات أخرى على المدى الطويل.

نظراً إلى نطاق تأثير هذه العلاقة على إيران والصين والمنطقة ككل، يجب أن يفهم الجميع سياقها المعاصر، وسيكون فهم تأثير الحرب الإيرانية العراقية على النزعات الراهنة ولعبة إيران والصين المطوّلة عاملاً مهماً لتطوير مفهوم شامل حول المشهد الراهن.

● دبلومات - ساتجين هامرا وألكسندر إلياسين