ذلك الإعلان وتلك الحقوق
في العاشر من ديسمبر 1948 ، صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كأول وثيقة دولية، تحدد مسؤوليات الدول تجاه كرامات البشر. جاء الإعلان ضمن تداعيات الحرب العالمية الثانية، للتعامل مع المآسي التي جرت فيها، ومحاولة الأطراف المنتصرة في الحرب الظهور بمظهر الحريص على كرامات البشر، فانطلقت محاكم نورمبرغ وطوكيو، للإيحاء بأن عدالة ستترسخ، في حين أنها لا تعدو كونها "عدالة المنتصر". عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعمالها تلك السنة في إحدى ضواحي باريس، للتصويت على مشروع الإعلان الذي استغرق نقاشه أكثر من 3 سنوات من لجنة حقوق الإنسان، وهكذا لم يكن صدور الإعلان مستعجلاً، بل على نار هادئة، بل هادئة جداً.كان التمثيل العربي والإسلامي جيداً، من أصل 58 دولة شاركت حينها، ولم تصوت دولة واحدة ضد الإعلان، حتى جنوب إفريقيا، التي كان نظامها "أبارتايد" العنصري، امتنعت عن التصويت، ولم تصوت ضده، كما امتنعت معها 7 دول أخرى.إلا أن شبه الإجماع ذاك لم يعكس حقيقة الأمر على الساحة الدولية، فالقوانين التمييزية، المتأصلة في الدول الكبرى، ظلت كما هي، لم تتغير إلا بعد زمن طويل، كما ساهمت الحرب الباردة، في التجاوز والصمت عن انتهاكات صارخة في بلدان العالم المختلفة، بل تأييدها في كثير من الحالات، فأصبح العالم، في تعامله مع حقوق الإنسان، كالبطة العرجاء، بلا حراك، حتى صار لدينا خطاب رسمي علني يدعو إلى احترام حقوق الإنسان، وفعل يمثل الواقع على الأرض، مختلف تماماً عن ذلك الخطاب، حتى صار الناس لا يتعاملون بجدية مع مفاهيم حقوق الإنسان، بل أدت حالة التناقض الحادة، بين القول والفعل، إلى سهولة استخدام المنظومة الحقوقية في الصراع السياسي بين الدول، واستفحل ذلك الاستخدام إلى درجة أنه صار جزءاً من الخطاب السياسي، لكثير من الدول القمعية.
أصبح عمر الإعلان الآن 73 عاماً، ومازالت كرامات البشر لا تدخل ضمن الأولويات، بل تتراجع بالجملة والتفاصيل.ومع أنه منذ نهاية الحرب الباردة، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، شهدنا تطوراً كبيراً في آليات حقوق الإنسان، كما شهدنا أعمالاً جادة من المنظمات الدولية غير الحكومية، وإنشاء مجلس حقوق الإنسان في 2006 ، واستحداث الاستعراض الدوري الشامل، الذي يلزم كل دول العالم دون استثناء بالمساءلة العلنية، فإن الطريق مازال طويلاً في الانتصار للمظلومين والمهمشين، ومازالت قوى التسلط والاضطهاد والتمييز، هي التي تقود العالم، وهي الأكثر تاثيراً، بينما اتضح أنه كلما زاد احترام الدولة لحقوق البشر وكراماتهم، زاد فيها الاستقرار والأمن والأمان، والعكس صحيح.