تتمتع الدولة التي تتنوع مصادر دخلها بأداء اقتصادي أفضل ودرجات مخاطر أقل من الدول التي تعتمد على مصدر أحادي للدخل كالنفط، كما أن تعافيها من الأزمات يستغرق وقتاً أقل من دول المصدر الواحد، فالكويت من الدول الأكثر حاجة الى تنويع مصادر دخلها لتفادي مخاطر الهزات الاقتصادية الحالية والمستقبلية، وذلك من خلال الاستفادة من عوائدها النفطية وتوظيفها في تأهيل قطاعها الصناعي ليصبح ثاني مصدر للدخل بعد النفط. فالصناعة الوطنية ركن أساسي لأي اقتصاد قوي ومتنوع، يعتمد على الإنتاجية والاستمرارية، ويتميز بقدرة كبيرة على استيعاب العمالة، وإيجاد فرص عمل حقيقية ذات قيمة مضافة، فالقطاع الصناعي الكويتي يستند إلى قاعدة صلبة وخبرات متراكمة قابلة للتطوير في فترة زمنية قياسية ليسهم بحصة أكبر في الاقتصاد المحلي، فالصناعة في الكويت لها جذور وتاريخ طويل، أرساه الآباء والأجداد قبل النفط، من خلال صناعة السفن ومعدات الغوص والصيد ومواد البناء.

فالكويت لديها عدة مقومات، من أهمها توافر المواد الأولية من نفط وغاز ورأس المال، وكذلك موقعها الجغرافي الذي جعلها نقطة التقاء بين أكبر دول المنطقة، لكن هناك العديد من المعوقات التي تحول دون تطور الصناعة المحلية، وتنمية مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي البالغة حالياً أقل من 6% والمتوقع وصولها إلى 8% في نهاية 2021!

Ad

وتشكل نسبة العمالة الوطنية في القطاع الصناعي 6% فقط، ويبلغ إجمالي الاستثمار الرأسمالي في قطاع الصناعة نحو 3.3 مليارات دينار (10.9 مليارات دولار)، في حين بلغ حجم الاستثمارات الصناعية في السوق القطري أكثر من 81 مليار دولار، بعد أن كان يقدَّر بنحو 11 مليار دولار فقط قبل 10 سنوات! ويستحوذ قطاع الصناعات الكيميائية في الكويت على نحو نصف حصة الصناعة، وتتوزع المناطق الصناعية الكبيرة في الكويت في 13 مركزاً صناعياً وحرفياً وخدمياً.

المطلوب الآن وضع خطة استراتيجية تنقلنا إلى اقتصاد تنافسي مبني على قاعدة صناعية متنوعة وقوية، تجعل من الكويت مركزاً صناعياً إقليمياً من خلال مضاعفة حجم الاستثمارات في القطاع الصناعي لرفع إنتاجيته وزيادة نسبة مساهمته في دخل الدولة من خلال اتخاذ الخطوات التالية:

1- تفعيل دور الهيئة العامة للصناعة لتحفيز القطاع، من خلال إنشاء مركز خدمة رقمي متكامل، يقوم بتقليص الدورة المستندية وتقديم كل الحلول بنظام الشباك الواحد، لتسهيل الخطوات على المبادرين والمستثمرين، ولضمان كفاءة إنجاز المشاريع التنموية وفق المخطط الزمني، وضمن معايير الأمن والسلامة والمقاييس البيئية.

2- إنشاء مناطق حرة ومدن صناعية متخصصة ومتكاملة لحل أزمة القسائم الصناعية والتخزينية، ومدن مرتبطة بالصناعات البيئية والطاقة المتجددة، بجانب توفير سكن لعمال المصانع، وشبكة خطوط نقل للمنتجات الصناعية، لتسهيل وصولها الى الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.

3- دعم المنتج الوطني من خلال توفير المواد الأولية، التي تدخل في الإنتاج والتصنيع بأسعار مخفضة، وكذلك توفير الدعم للمخترعين والمبادرين، لتصنيع اختراعاتهم وتحويلها إلى منتجات قابلة للتسويق محلياً وخارجياً، بالشراكة مع القطاع الخاص.

4- تأهيل وتدريب وتطوير قدرات الكادر الصناعي المحلي، لإيجاد وتمكين قياديين صناعيين لديهم رغبة في التغيير، ولرفع نسبة العمالة الوطنية في المصانع والشركات الصناعية الكويتية، بالإضافة إلى توفير بعثات دراسية في مجال الإدارة الصناعية وإدارة الإنتاج والعمليات بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، بهدف نقل وتوطين الخبرات العالمية في القطاع الصناعي المحلي.

5- إنشاء هيئة عامة مستقلة للمواصفات والجودة لمواكبة المتغيرات المتسارعة وبناء قاعدة صناعية ناجحة ذات جودة عالية لتلبية احتياجات السوق المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

6- التركيز على الصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وتطوير الأنظمة والسياسات والقوانين المحلية لتحسين مركز الكويت في المؤشر العالمي للقدرة التنافسية الصناعية.

بإمكاننا اعتماد الصناعة كثاني مصدر للدخل بجانب النفط بمساهمة تدريجية في الناتج المحلي تصل إلى 30% خلال السنوات الخمس القادمة إذا تم دعمه وتمكينه لأداء دوره الفاعل في تحويل الكويت إلى مركز صناعي إقليمي جاذب للاستثمارات الأجنبية ومنفذ للمبادرات المحلية الصناعية والتكنولوجية والغذائية والدوائية والنفطية التي تضمن للدولة مصدر دخل مستدام.

● د. عبدالعزيز إبراهيم التركي