في ظلال الدستور: محمد صلاح الأسطورة المصرية المهداة إلى الأمة العربية

نشر في 14-12-2021
آخر تحديث 14-12-2021 | 00:09
 المستشار شفيق إمام الفرعون المصري

تصدر محمد صلاح، نجم فريق ليفربول الإنكليزي وقائد منتخب مصر الوطني، عناوين الصحف الإنكليزية بالفرحة والبهجة، واحتل قلوب الملايين من عشاق كرة القدم من معجبيه ومريديه من كل الطبقات الاجتماعية الأثرياء، والفقراء، حيث يعلق هؤلاء صورته بالحجم الكبير على واجهات منازلهم، ليروه عند دخولهم وخروجهم من المنزل، وقد نبه أحد المفكرين الإنكليز إلى أن الفرعون سيحتل قلوب الإنكليز في أقل من سبع سنوات بعد أن احتلوا مصر مهد الفراعنة 72 عاماً.

أسطورة صلاح

لم تكن أسطورة صلاح فقط في أدائه الرائع في ملاعب كرة القدم الإنكليزية والأوروبية، وقدرته الفائقة على هز شباك الفريق الآخر، بعد إفلاته من الحصار الذي كان يضرب حوله من هذا الفريق أو قدرته الساحرة على إشعال مدرجات الملاعب بالهتاف والتصفيق وخفقان قلوب جماهير كرة القدم في العالم في حبه والإعجاب به وفوزه بجائزة أفضل لاعب في العالم في التصويت الذي جرى في الاستفتاءات والاستقصاءات التي أجرتها الصحافة العالمية والقنوات القضائية التي أسفرت جميعا عن فوزه بأصوات أغلبية جماهير الكرة في العالم وآراء نقادها في الصحافة وغيرها، واستحق هذا اللقب بجدارة بحيث أصبح حقيقة، في سماء الكون كله، بل كان الأسطورة العربية في هز شباك العنصرية والكراهية التي شوهت صورة العرب والمسلمين بسبب ظاهرة العنف التي سرت واستشرت في الآونة الأخيرة في سلوك الأفراد والجماعات العربية والإسلامية، فجاء محمد صلاح ليرسم صورة أخرى.

ولكن كان لصلاح في مشواره القصير الذي يعد بالسنوات فضل تحسين صورة العرب والمسلمين التي شوهها الإعلام الغربي والصهيونية العالمية عبر عقود من الزمن، بأننا متوحشون وبرابرة، فأزال هذه الصورة المشوهة للإنسان العربي والمسلم الملتزم بدينه، ويسجد لله شكراً وحمداً عندما يسجل أهدافه الخرافية في شباك الفريق الآخر، وفي تعايشه مع ذلك مع الآخرين من غير دينه وغير ملته في ألفة وتآلف وحسن التواصل مع الجمهور ومع النقاد ورجال الإعلام، ليفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم والجدية والتعاون مع زملائه من فريقه.

فضلاً عن الذكاء والفطنة اللذين تحلى بهما في تصرفاته خارج الملعب، عندما تبرع بحصيلة بيع فانلته التي كان يرتديها أثناء مباراة فريقه مع فريق مانشيستر والتي هزت صورة هذا الفريق العريق ونجمه الكبير (كريستيانو رونالدو) حيث وجه تبرعه إلى جمعية الرفق بالحيوان في مصر، فكان هذا العمل النبيل محل انتقاد بعض قاصري النظر الذين لم يفهموا المغزى من الوجهة التي حددها لتبرعه، وهي نحو الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين بأنهم يقتلون الحيوانات ولا يترفقون بها.

قد وضع محمد صلاح العالم كله في حالة ذهول، عندما طلب من زوجته أن تتقدم وتتسلم الجائزة التي فاز بها كأفضل لاعب في العالم، فيمحو صورة مشوهة أخرى عن الإنسان العربي والمسلم بأن الرجل يستعبد المرأة ويقهرها، فقد كان يدل بهذا التصرف على الذكاء والوعي والفطنة في هذا القرار ليدون بحروف من ذهب القيمة الإنسانية للمرأة في نظر زوجها، فقد فضل زوجته على نفسه، كل هذا يجعله قدوة حسنة لشبابنا ومجتمعاتنا.

صلاح نموذج لحضارتنا

لقد حقق صلاح ما لم تحققه وسائل الإعلام العربية من رسم صورة صحيحة للإنسان العربي والمسلم في وقت أصبحت ظاهرة العنف والإرهاب والتعصب مرتبطة بالعرب والمسلمين، وقد احتل صلاح قلوب ووجدان العالم الغربي الذي يكرهنا ويتآمر علينا، ويزهو بمدنيته علينا، وقد كنا نزهو بحضارة هي أسبق من حضارة أوروبا، حيث يقرر غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" والذي صدر في سنة 1884 أن العرب هم الذين مدنوا أوروبا، وقد هداه إلى هذا رحلاته في العالم الإسلامي والعربي، والتحليل العلمي لعرق العرب وبيئاتهم وأخلاقهم وعاداتهم وطبائعهم ونظمهم ومعتقداتهم في العلوم والآداب والفنون وتأثيرهم في المشرق والمغرب، فأعاد صلاح إلى العالم عصر العرب الذهبي من مرقده في صورته الحقيقية.

إن محمد صلاح هو أسطورة مصرية أهدتها مصر للعرب جميعاً، في إسهامهم في ركب الحضارة الإنسانية بعد أن تخلفوا عنها كثيراً، وقد كان أحد المنطلقات التي تغياها دستور الكويت الإيمان بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الإنسانية، حسبما جاء في ديباجة الدستور التي حملت توقيع الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، عند التصديق على الدستور وإصداره بناء على ما قرره المجلس التأسيسي.

وجاءت بعد ذلك نصوص الدستور لتحدد مسار هذا الوطن فنص على أن شعب الكويت جزء من الأمة العربية وعلى أن اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية، وعلى التزام الدولة بصوت التراث الإسلامي والعربي، والإسهام في ركب الحضارة الإنسانية، وعلى أن الناس جميعا سواسية في الكرامة الإنسانية.

● المستشار شفيق إمام

back to top