منافع إنهاء الحرب الكورية رسمياً

نشر في 14-12-2021
آخر تحديث 14-12-2021 | 00:00
 ريل كلير في 23 نوفمبر أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن إطلاق جهود مشتركة ومتواصلة لوضع اللمسات الأخيرة على وثيقة إعلان إنهاء الحرب، فالحرب الكورية (1950-1953) لم تنتهِ يوماً بشكلٍ رسمي، وقد أسفرت عن مقتل حوالي 1.2 مليون كوري و40 ألف أميركي، لكنها توقفت بموجب اتفاقية هدنة جمّدت الحرب الكورية الأهلية وقسّمت شبه الجزيرة إلى أجل غير مُسمّى على طول "خط التوازي 38" بين الشمال الشيوعي والجنوب الرأسمالي، وتجدّدت الأعمال العدائية من وقتٍ لآخر على مر 68 سنة في المرحلة اللاحقة، لكن سمحت الهدنة بكبح احتمال تجدّد الحرب، وسيكون إنهاء الحرب رسمياً فرصة جديدة لإرساء السلام والأمن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ عبر منع التصعيد العسكري، ويجب أن يصدر هذا الإعلان بأقصى سرعة.

بما أن الردع الأميركي ضد كوريا الشمالية يرتكز على تفوّق واشنطن النووي والتقليدي، تستطيع الولايات المتحدة أخيراً أن تعيد جنودها إلى ديارهم، حيث تنتشر القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية منذ عام 1945، وتشمل قوة احتياطية 30 ألف عنصر للرد سريعاً على أي أعمال عدائية محتملة، وسيؤدي أي سلام رسمي مع بيونغ يانغ إلى تراجع نسبي في قدرات كوريا الشمالية التقليدية، مما يعني انحسار الحوادث التي تضطر "قيادة القوات المشتركة" لردعها أو هزمها وزوال الحاجة إلى إبقاء قوات أميركية دائمة.

ستتمكن واشنطن في هذه الحالة من تطبيق نسخة أكثر استدامة من استراتيجيتها الكبرى في شرق آسيا، تزامناً مع تراجع الموارد المخصصة لتلك المنطقة، ومن المنتظر أن تتسلم كوريا الجنوبية مهام السيطرة على العمليات في زمن الحرب العام القادم بعد عقود من التأجيل، وغداة تلاشي نصف التحديات الأمنية الشائكة التي كانت تواجهها كوريا الجنوبية، يتراجع احتمال أن تضطر سيئول للسيطرة على العمليات الحربية، مما يجعل وضعها الأمني أكثر استقراراً بكثير على المدى الطويل. وفي غضون ذلك، بدأت اليابان تتحمّل جزءاً أكبر من الأعباء الدفاعية أيضاً، إذ تعني مبادرة هذين البلدين أن التحالفات التي تقودها واشنطن يمكن الحفاظ عليها تزامناً مع تراجع الأعباء التي يتحمّلها الجيش الأميركي، وفي الوقت نفسه ستصبح اليابان وكوريا الجنوبية أكثر استعداداً للتركيز على الصين التي تطرح عليهما تحدياً مشتركاً آخر.

من المتوقع أيضاً أن يُحسّن السلام في كوريا العلاقات الأميركية الصينية، حيث تهتم الصين كثيراً بمستقبل شبه الجزيرة الكورية، سواء كانت منقسمة أو موحّدة، ولا شك أنها ستُسَرّ بخروج عاصمتها من قبضة القوات الأميركية وابتعادها عن تهديد الحرب النووية الوشيكة على حدودها، فثمة معاهدة دفاعية بين كوريا الشمالية والصين، وهي عبارة عن اتفاقية جدّدها البلدان في عام 2021، لكن حين لا تعود الحرب عاملاً محتملاً، ستتمكن بكين من تجنّب الانجرار إلى صراع غير مرغوب فيه لحماية دولتها العميلة الناشئة، إذ تُعتبر الحرب الكورية في الأساس صراعاً بالوكالة بين نطاقات النفوذ الأميركية والصينية وسيؤدي إنهاؤها رسمياً إلى زوال سبب الخلاف القديم بين الطرفين، ويجب ألا يتفاجأ أحد إذا أدى هذا التطور إلى إحراز التقدم في جوانب أخرى من العلاقات الأميركية الصينية.

لطالما أعلنت كوريا الشمالية أنها لن تتفاوض على معاهدة سلام إلا بطريقة أحادية الجانب مع الولايات المتحدة، ولا شك أن إدارتَي بايدن ومون ستجرّبان هذه المقاربة، ولم يتّضح بعد إلى أي حد ستكون بيونغ بانغ مستعدة للتوقيع على معاهدة مماثلة، لكن يشير ضعف دولتها المستجد بسبب أزمة كورونا إلى استعدادها المتزايد للتفاوض في هذه الظروف.

لم تتفق واشنطن وسيئول بعد على طريقة إدراج بند نزع الأسلحة النووية في الوثيقة، لكن هذا التفصيل يبقى هامشياً لأن الولايات المتحدة سبق أن اعترفت بكوريا الشمالية كقوة نووية حقيقية، مما يجعل نزع السلاح النووي مستبعداً جداً، ولا أهمية لبقاء أسلحة بيونغ يانغ النووية أو زوالها مقارنةً بالتطورات المرتقبة، وقد حان الوقت لاستبدال الهدنة السابقة بمعاهدة سلام رسمية وإرساء الاستقرار والسلام في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ عن طريق إخماد التصعيد العسكري.

back to top