فرضت الحكومة الأميركية قراراً بحظر توريد الأسلحة ضد كمبوديا على خلفية مخاوف قديمة ترتبط بحقوق الإنسان والفساد وتنامي النفوذ الصيني في البلد، فوفق بيان صادر عن وزارة التجارة الأميركية، تهدف هذه الخطوة إلى منع جيش كمبوديا ووكالاتها الاستخبارية من الوصول إلى "العناصر ذات الاستخدام المزدوج" و"المعدات العسكرية الأقل حساسية" و"المعدات والخدمات الدفاعية".

قالت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، في ذلك البيان: "لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة باستقلال كمبوديا وسيادة شعبها بالكامل، ونحن ندعو الحكومة الكمبودية إلى إحراز تقدّم حقيقي لمعالجة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والتعاون لتقليص نفوذ الجيش الصيني في كمبوديا كونه يُهدد الأمن الإقليمي والعالمي".

Ad

لن يكون هذا القرار مؤثراً جداً لأن الولايات المتحدة لا تزوّد كمبوديا بالأسلحة في الوقت الراهن، لكنه أحدث تدبيراً من قائمة طويلة تهدف إلى معاقبة بنوم بنه على قمعها السياسي وتقرّبها المتزايد من الصين، كما تشعر واشنطن بالقلق بسبب إعادة ترميم قاعدة "ريام" البحرية بتمويلٍ من الصين على الساحل الجنوبي من كمبوديا لأن هذه الخطوة قد تُمهّد لنشر وجود عسكري صيني دائم على الأراضي الكمبودية، لكن حكومة كمبوديا تنكر هذه المزاعم.

كانت العقوبات التي فُرِضت في الشهر الماضي قد ترافقت أيضاً مع تحذير من وزارة الخارجية الأميركية للشركات الأميركية التي تستثمر في كمبوديا نظراً إلى استفحال الفساد هناك واحتمال تورّطها مع كيانات متّهمة بانتهاك حقوق الإنسان وتجارة المخدرات والتهريب، وقد تزامنت هذه التحركات كلها مع صدور قرارات في الكونغرس تدعو واشنطن إلى زيادة ضغوطها على الحكومة الكمبودية.

كان الضغط الغربي في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان من الأسباب التي دفعت رئيس وزراء كمبوديا، هون سين، وحكومته إلى التقرب من الصين على اعتبار أن هذه الجهود تهدف إلى إضعاف قوة حزب الشعب الكمبودي الحاكم. منطقياً، قد تؤدي أي محاولة لمعاقبة الحكومة الكمبودية إلى زيادة تعنّتها وتعميق علاقاتها مع بكين.

في شهر أكتوبر الماضي، أعلن السفير الصيني في كمبوديا، وانغ وينتيان، أن البلدَين محكومان "بعلاقة أخوّة قوية" وقال إنهما "لن يتحمّلا أي تدخّل من القوى الخارجية"، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، كذلك، اعتبرت كمبوديا العقوبات التي صدرت في الشهر الماضي "مُسيّسة"، ثم دعا هون سين الحكومة الأميركية حديثاً إلى عدم التردد في تجميد أصول المسؤولين الكمبوديين في الولايات المتحدة، مؤكداً عدم وجود أي أصول لهم هناك أصلاً.

لا تستطيع واشنطن أن تضغط على بنوم بنه أو تُهددها لدرجة أن تُغيّر حسابات هون سين إلا عبر التلويح باحتمال إلغاء الامتيازات التجارية التي تتمتع بها كمبوديا بموجب "نظام الأفضليات المُعمّم" الذي يُسهّل وصولها إلى السوق الأميركي، أكبر مساحة لتسويق الملابس والأحذية والحقائب ومنتجات السفر المصنوعة في كمبوديا.

قد يؤدي إلغاء "نظام الأفضليات المُعمّم" إلى تضرر قطاع تصنيع الملابس المحلي وخسارة آلاف الوظائف، ولهذه الأسباب أيضاً، قرر الاتحاد الأوروبي تعليق الامتيازات التجارية المرتبطة بجزءٍ من صادرات كمبوديا إلى السوق الأوروبي رداً على حملة القمع السياسية الوحشية التي أطلقتها حكومة "حزب الشعب الكمبودي" حديثاً.

في تصريح جديد لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، قال أنطوني نيلسون، مدير قسم شؤون شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ في "مجموعة أولبرايت ستونبريدغ" الاستشارية الدولية: "من المستبعد أن تتخذ حكومة كمبوديا خطوات كافية لتهدئة منتقديها في واشنطن، وفي الوقت نفسه، أدرك صانعو السياسة الأميركية أن إلغاء "نظام الأفضليات المُعمّم" سيؤذي أضعف العمال في المقام الأول، لذا يمكن التوصل على الأرجح إلى تسوية لتخفيف التوتر السياسي وحفظ ماء الوجه بطريقة معينة".

لكن حتى لو تحقق ذلك، ستبقى المسائل المحورية في العلاقات الأميركية الكمبودية عالقة، ونظراً إلى تصلّب المواقف في المعسكرَين، لا يمكن إحراز التقدم اليوم إلا عبر واحدة من خطوتَين: أن تتنازل الولايات المتحدة عن قِيَمها وتُخفف دفاعها عن حقوق الإنسان، أو أن تقدّم الحكومة الكمبودية التنازلات في سياستها المحلية وتبدأ بتطبيق إصلاحات سياسية كبرى.

لكن لا تبدو هذه الخطوات محتملة في المرحلة الراهنة، مما يعني أن دوامة سوء الفهم المتبادل التي أعاقت العلاقات الأميركية الكمبودية في الفترة الأخيرة ستستمر في المستقبل المنظور.