الإيجابية هي الطاقة المتدفقة من الإنسان نحو البناء والتطور، وتحقيق الطموح والتنمية والمستقبل، ولو فقدت الإيجابية لتوقفت الحياة وتعطلت مفاصلها، فلابد أن تبقى الشعوب حية نابضة حيوية بإيجابيتها، وعلى الأخص أخيار الناس ممن يعمرون البلاد ويقيلون العثرات ويظهرون كعادتهم في الملمات، وإن تلاحقت نكبات الحياة وأزماتها عليها، فالعلامة الفارقة في تخطي ذلك كله، والمبادرة والتقدم حينما يتوارى الناس.

وعلى الرغم من وجود العديد من الشخصيات السياسية والعامة المؤثرة والفاعلة في مسار الحياة العامة بالكويت، ممن لهم صولات وجولات وحضور مشهود وريادة مميزة، والتي تحظى بتقدير وقبول واسعين لدى الشعب، ولدى القيادة السياسية، في آن واحد، فإن اللافت، بحق، هو أن هذه الشخصيات غائبة أو متوارية أو معتزلة، عن الإسهام في الوضع العام للبلد رغم ما يواجهه من تهالك وتآكل وتدهور.

Ad

نعم، أعلم أن منهم المحبط، ومنهم المبعد، ومنهم اليائس، ومنهم المتردد، ومنهم المتعب، لكن تلك أعذار عابرة، لا يمكن أن تقبل مبرراً للانزواء واعتزال الحياة العامة، والصمت والسكوت على مجريات التدهور السريع الذي يمر به البلد، فهذا موقف غير مقبول وخطر، ولا يصح ألا نطالبهم بالقيام بواجبهم الوطني في مرحلة صار البلد فيه مريضاً، وفي أمس الحاجة إلى سماع رأي أو موقف أو تحرك منهم، ولو بالخفاء، فحينما يقع البلد سيقع سقفه على الصالح والطالح، والخسارة ستكون عامة، وينبغي على هذه الشخصيات النهوض بمسؤولياتها قبل فوات الأوان.

ففي الوقت الذي نرى معظم غير الأخيار والمتنفذين من الفاسدين ومن حولهم يتصدرون المشهد العام، ويمارسون نفوذهم وتأثيرهم غير المحمود على مجريات الأمور في البلد ودوائر القرار فيه، نجد الأخيار في عزلة وانزواء، وهو وضع محزن ومربك ومضر بالكويت وشعبها وحكامها. وليت شحّ الرجال وقف عند ذاك إنما أصبح هذا الأمر من عموم البلوى التي اعتُّل بها البلد، فمن يكن في موقع مسؤولية في جهاز أو مؤسسة حكومية تجده وصل إليه دون مؤهلات ودون أي إمكانيات للعطاء، لذا فقد تقهقرت المؤسسات، وتراجعت إلى الحد الذي أصبحت فيها متآكلة من الداخل، لأن من يقودها هم من أشباه الرجال، بعد أن شحّ هذا الزمن من وجودهم، وهو ما يتطلب إحداث التغيير بشأنه بكل ما هو متاح من وسائل.

إن حالة اعتزال الأخيار من الناس للحياة العامة، وتفضيل البقاء بعيداً عن مجرياتها، والسكون للظل بدلاً من البقاء في دوائر التأثير لمدة تزيد على ثلاثين سنة - منذ التحرير - لم يزد التراجع والتدهور إلا مزيداً من التفاقم والانهيار، فصار المسيطر على مشهد معظم الأمور أشباه الأخيار أو الأشرار من الناس، وهو ما أورث تعطيلاً وتراجعاً وتدهوراً لكل أحوال البلد، فلم يعد يحتمل مزيداً من التواري والانزواء، ولا التغافل ولا الصمت ولا السلبية وعدم الاكتراث، فلابد من أن يخرج الرجال وأخيار الناس من قمقمهم وعزلتهم، وتكون لهم كلمة ورأي وموقف من أمور عديدة الصمت عنها، بحد ذاته، خذلان مرفوض إن لم يكن فراغاً أفسح للفاسدين إجرامهم وتدميرهم الذي شمل كل شؤون البلد، وإذا فات الفوت فما ينفع الصوت.

فهلا تقدم الأخيار وكان لهم صوت مجلجل وموقف حاسم، فالوقت يمضي والوطن بغربة يئن؟

فهل من مجيب؟!

● أ.د. محمد المقاطع