الاعتراف الإيطالي بدولة الكويت لم يبدأ عام 1961 كما هو في الأعراف الدبلوماسية بل يعود إلى عام 1862 وعلى يد الرحالة الإيطالي الطبيب ماركو موسيزانو الذي زار البلاد يومذاك، فالقصة تعود إلى جهود متواصلة بذلها الدكتور حسن جاسم أشكناني أستاذ الإنثروبولوجيا في جامعة الكويت والباحث الجاد والمجتهد، فقد كنت حاضراً يوم منحه الرئيس الإيطالي وسام الفارس في حفل أقيم خصيصاً له في السفارة وبرعاية السفير بالدوتشي شخصياً، وما أسعدني حقاً حكاية الكتاب الذي يمثل كنزاً من المعلومات بعد حصوله عليه صيف 2019 من أحد مزادات لندن للكتب القديمة، وهو بالمناسبة من "أندر" الكتب بعنوان "رحلة إلى آسيا" بقيادة الضابط "كوسلينغو" ممثل الملك إيمانويل الثاني، وكان أحد أعضاء البعثة الطبيب "موسيزانو" وهو جراح في القصر الملكي.

الجديد في هذا المضمار أن الكويت كانت إحدى المحطات المهمة لشراء الخيول العربية تلبية لرغبة الملك خلال "حروب التوحيد"، وفيها التقى هذا الرحالة التاجر الكويتي يوسف البدر مع حاكم الكويت الرابع الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله الصباح، ووصف شخصيته وحسن ضيافته، وفيه أيضا وصفٌ للحظة خروج البعثة الإيطالية من البصرة إلى الجهراء ومنها على الطريق الساحلي إلى الكويت، ووقوف بعض أهالي المرافقين لهم لأداء الصلاة وعند دخولهم مدينة الكويت وحالة الأسواق كما شاهدوها. الدكتور أشكناني أهدى الترجمة العربية للرئيس الإيطالي كي يكون "أيقونة" احتفالية بمرور 60 عاماً على العلاقات الرسمية الحديثة بين الدولتين، حيث بات من المختصين والمتابعين جيداً لجامعي الكتب القديمة للرحالة الإيطاليين، ويمتلك أكثر من 90 كتاباً من القرن السابع عشر ميلادي في أدب الرحلات إلى مناطق الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام.

Ad

اللافت أن لديه 20 كتاباً أصلياً تحمل تواقيع مؤلفيها و12 كتاباً كنسخ فريدة ووحيدة في الأسواق العالمية، وبالمناسبة وعلى ذكر الكتب الموقعة عادة ما تزيد قيمتها المالية على سعر بيعها في المكتبات العامة، فالرئيس دونالد ترامب يبيع كتابه الأخير "رحلتنا معا" كنسخة عادية بـ75 دولاراً في حين يبلغ سعر النسخة الموقعة منه شخصياً 230 دولاراً! وجدت أن لدى الدكتور أشكناني عدداً من المجلات الإيطالية صدرت في الخمسينيات، تحتوي على أخبار نادرة عن الكويت وحكامها، منها صحيفة "أوغي" أو "اليوم" وفيها زيارة الشيخ عبدالله المبارك الصباح نائب الحاكم إلى لندن للتباحث حول موضوع المياه والغاز سنة 1952.

وقد ذكر الدكتور أشكناني في كتابه "من تراث الكويت" الصادر 2019 ضمن مطبوعات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن هناك قطعة كويتية تعود تسميتها إلى اللغة الإيطالية كما ورد في كتاب الموسوعة الكويتية المختصرة للراحل السعيدان، وهي قطعة (الغرابية) التي كانت تستخدم لحفظ ماء اللقاح وماء الورد والخل، ويقال إن أصلها "مرافيه" الإيطالية وتكاد تكون هي الكلمة الوحيدة في اللهجة الكويتية القديمة ذات الأصل الإيطالي.

وقد أسهم الدكتور أشكناني في استضافة أول حدث من نوعه على مستوى الخليج العربي بإقامة المدرسة الشتوية الأثرية الإيطالية– الكويتية في يناير 2020 في جامعة الكويت تحت رعاية السفارة الإيطالية وكلية العلوم الاجتماعية، حيث تمت استضافة أساتذة وباحثين في مجال الآثار من جامعة سابينزا روما العريقة التي تأسست 1303م وهي أقدم جامعة في إيطاليا وأفضل قسم للآثار في إيطاليا، لأسبوع في الكويت، أجريت فيها مجموعة من المحاضرات والورش العلمية لطلبة جامعة الكويت والمختصين والمهتمين إضافة إلى الزيارات الميدانية لمتاحف دولة الكويت والمواقع الأثرية في منطقة الصبية وفيلكا والشويخ، حيث يكون هذا البرنامج متبادلاً مع الطرفين باستضافة طلبة جامعة الكويت في روما.

العلاقات الثقافية بين البلدين تعود إلى عام 1976 ووصول بعثة أثرية إيطالية من جامعة فينيسيا وبولونيا للتنقيب عن آثار جزيرة فيلكا، وكان لها الدور في تجهيز خرائط جوية لمواقع أثرية على أرض الجزيرة مثل تل الخزنة، وقلعة الزور، والقرينية، والقصور، وتأكيد العثور على أكثر من 70 وحدة سكنية تحت الأرض في موقع القصور في جزيرة فيلكا، تعود إلى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين.

● حمزة عليان