يشير أول حوار بين وزراء الخارجية والدفاع الروس والهنود في 6 ديسمبر إلى تقوية العلاقة الثنائية الأمنية والاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، تحمل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى نيودلهي لحضور القمة السنوية الحادية والعشرين بين الهند وروسيا أهمية كبرى، فهي تتزامن مع اقتراب وصول نظام الدفاع الصاروخي أرض- جو "إس-400" طويل المدى إلى الهند، وقد أثارت زيارة بوتين اهتماماً كبيراً، لأنها ثاني زيارة خارجية له منذ انتشار وباء كورونا، بعد حضوره قمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن في جنيف في يونيو الماضي.

أصرّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على وضع هذه العلاقة الثنائية في خانة "الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة التي تزداد قوة"، وفي المقابل، اعتبر بوتين الهند "قوة عظمى ودولة صديقة أثبتت وفاءها"، ونتيجة هذه القمة، تم التوقيع على اتفاق تعاون دفاعي تقني مدته عشر سنوات، فضلاً عن صفقة بقيمة 600 مليون دولار لتصنيع أكثر من 600 ألف بندقية من نوع "كلاشينكوف" ( AK-203) في الهند كجزءٍ من مشروع هندي روسي مشترك، كذلك حدّد البلدان هدفاً طموحاً لتعزيز التجارة الثنائية كي تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2025، وفي المحصلة، جرى التوقيع على 28 اتفاقاً خلال هذه القمة.

Ad

رداً على شراء نظام "إس-400"، هدّدت إدارة ترامب السابقة الهند باللجوء إلى "قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات". تحمل إدارة جو بايدن الجديدة آراءً مشابهة حول إقدام الهند على شراء تكنولوجيا عسكرية متقدمة من روسيا، رغم تقوية علاقتها الثنائية مع نيودلهي ووفرة المصالح الاستراتيجية المشتركة بين البلدين.

أدت نزعة الهند إلى استيراد التكنولوجيا العسكرية من روسيا والمشاركة في مشاريع مشتركة في آخر خمسة عقود إلى زيادة الترابط في قطاع الدفاع على المدى الطويل، ونظراً إلى تلاقي المصالح الاستراتيجية بين الصين وروسيا، حاولت الهند تنويع مصادر تقنياتها العسكرية عبر استقدامها من فرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى، لكن لا تزال الهند تتكل بشدة على التكنولوجيا العسكرية الروسية، إذ تفوق نسبة المعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة الهندية ذات الأصل السوفياتي أو الروسي عتبة السبعين في المئة. تستفيد نيودلهي أيضاً لأن روسيا تسمح بإنتاج عدد كبير من أسلحتها في الهند على شكل مشاريع مشتركة، ويُعتبر إنتاج صواريخ "براهموس" المُوجّهة التي تفوق سرعة الصوت من أبرز الأمثلة على ذلك.

الهند هي الدولة الخارجية الوحيدة التي وقّعت معها روسيا اتفاقاً طويل الأمد للتعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية بين العامَين 2011 و2020، ثم تجدّد هذا الاتفاق لعشر سنوات أخرى، وعلى مستوى فاعلية المعدات وكلفتها، تتفوّق التكنولوجيا الروسية أيضاً على المنافسين الآخرين، ولتقوية العلاقات الدفاعية وترسيخها، تجري الهند تدريبات عسكرية مع روسيا بما يشبه التدريبات التي جمعتها مع الولايات المتحدة.

لكن رغم تعميق العلاقات مع الولايات المتحدة في آخر عقدَين، يبدو أن الهند لا تثق حتى الآن بروابطها الاستراتيجية مع واشنطن، كذلك تحمل نيودلهي مخاوف من التقارب الاستراتيجي والدفاعي بين روسيا والصين، وأمام هذا الوضع، من المتوقع أن تتواصل الهند مع القوتَين في الوقت نفسه للتصدي للصين، تزامناً مع الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية. لن تبالغ الهند في الاصطفاف مع الولايات المتحدة أو روسيا صراحةً كي تتمكن من التواصل مع الطرفَين معاً لتلبية حاجاتها الأمنية والاستراتيجية. على المدى الطويل، تطمح الهند على ما يبدو للتحول إلى قوة بارزة، وقد يمنعها الاصطفاف مع الولايات المتحدة أو روسيا من تحقيق أهدافها.

نظراً إلى المعطيات الجيوستراتيجية المتلاحقة، قد تتحمّل الهند كلفة القيام بمجازفات مدروسة، ورغم استياء روسيا، قد تقرر الهند مثلاً أن تؤدي دوراً ناشطاً في التحالف الأمني الرباعي لأن موسكو لا تستطيع المجازفة بتهميش البلد الذي يشتري 25% من الصادرات العسكرية الروسية الإجمالية، وفي غضون ذلك، قد لا تلجأ الولايات المتحدة إلى "قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات" لأن الهند تقف حصناً منيعاً ضد الصين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، كما أنها سوق دفاعية مربحة، وفي ظل هذا الوضع، يشكك الخبراء الاستراتيجيون وصانعو السياسة الهنود على ما يبدو بصوابية استعمال مصطلح "التحالف" لوصف هذه العلاقات ويفضّلون التشديد على التزام الهند بمبدأ "التعددية" أو الدبلوماسية "متعددة الأقطاب"، كما أعلن وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، أن آسيا متعددة الأقطاب هي واحدة من أهم مكوّنات النظام الجيوستراتيجي الناشئ ومحور الاستراتيجية الهندية الإقليمية.