"العود أحمد"، أو "عدنا والعود أحمد"، مثل عربي قديم، وهو يعني العودة الحميدة للشيء بعد الابتعاد عنه، ولهذا المثل قصة طريفة، فيحكى أن رجلا يقال له خِداشاً التميمي قد رأى فتاة من بني سدوس يقال لها الرباب، فمال إليها قلبه، فتقدم إلى خطبتها، إلا أن أهلها تمنّعوا عن القبول به لضعف حالته المادية، ولكثرة مريدي ابنتهم لجمالها الأخاذ، فهم يطمحون لتزويجها بمن يملك المال والجاه.

وحصل في أحد الأيام أن أقبل خِداشاً هذا راكبا مع جماعة من أصحابه فمروا بحيها، فأخذ منه الهيام مأخذه، فأنشد قائلا:

Ad

أَلا لَيْتَ شِعْرِي يا رَبَابُ مَتَى أرى

لَنَا منك نُجْحاً أوْ شفاء فأشْتَفِي

فقد طالما عَنَّيْتنِي ورَدَدْتِنِي وأنت

صَفِيَّي دون مَنْ كُنْتُ أَصْطَفِي

لَحَى الله مَنْ تسمو إلى المال نَفْسُه

إذا كان ذا فَضْلٍ به لَيْسَ يَكْتَفِي

فَيُنْكِح ذَا مالٍ دَميماً مُلَوَّماً

وَيَتْرُك حُرَّاً مثله لَيْسَ يَصْطَفِي

فلما سمعته الرباب، فهمت مقصده من أبياته، وأنه يحبها، فمال قلبها إليه ورغبت في زواجه، فأرسلت إليه من يخبره أنها عرفت طلبه، وتوافق عليه، وطلبت منه التقدم لخطبتها مرة ثانية، ثم توجهت الى أمها قائلة: يا أمّاه، هل أزوَّج إلا من أهوى؟ وألتحف إلا من أرضى‏؟ فقالت الأم: لا، فما ذاك‏؟‏ فقالت الرباب: إذاً فزوجيني خِداشاً، فقالت الأم: وما يدعوك إلى ذلك مع قلّة ماله‏؟‏ فردت البنت: إذا جمع المال السيئ الفعال فقبحاً للمال.

اقتنعت الأم فأخبرت الأب بذلك فوافق، إلا أنه تساءل‏:‏ ألم نكن قد صرفناه عنّا، فما بدا له‏؟ فما أصبحوا حتى غدا عليهم خِداشاً فسلم وقال‏:‏ "العَوْدُ أحمَدُ، والمَرءُ يَرشُدُ، والوِردُ يُحمَدُ"، فذهب قوله هذا مثلاً لا يزال يتداول حتى يومنا هذا.

فقال الفرزدق فيه:

من الصم تكفي مرة من لعابه

وما عاد إلا كان في العود أحمداً

وقال الأخطل:

فقلت لساقينا عليك فعد بنا

إلى مثلها بالأمس فالعود أحمد

وقال مرقش:

وأحسن سعد في الذي كان بيننا

فإن عاد بالإحسان فالعود أحمد

ملحوظة: منقول بتصرف من التراث.

● طلال عبد الكريم العرب