رئيسي لخامنئي: «الحرس الثوري» تحوّل إلى أخطبوط يمسك بالبلد
طرد مساعد المرشد بعد إخفائه تقريراً عن «شبكة» تعارض إحياء الاتفاق النووي وتحسين العلاقات مع الخليج
برزت ملامح صدام بين تيار مؤيد للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي و«تيار متشدد» داعم لهيمنة كوادر «الحرس الثوري» على مقدرات البلاد، بعد نحو 100 يوم من تشكيل الحكومة الجديدة، في حين كشف أنصار الرئيس أن نوابا يتقاضون أموالا تدرها مشاريع متعلقة بالالتفاف على العقوبات، يصرون على إفشال أي محاولة لإحياء الاتفاق النووي.
أكد مصدر مقرب جدا من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الخلافات بينه وبين أنصار «الحرس الثوري» في التيار الأصولي بدأت تزداد في الآونة الأخيرة بشكل لافت، وتفاقمت في ظل تنامي المطالب الأصولية بمنح المزيد من المناصب الحكومية لكوادر المؤسسة العسكرية الموازية للقوات المسلحة، وعدم الاكتفاء بما منحه رئيسي لعناصر «الحرس» عقب تشكيله الحكومة الجديدة منذ نحو 100 يوم، ورغم عدم قدرة تلك العناصر على تنفيذ متطلبات المرحلة وحل مشاكل البلاد.وقال المصدر إن رئيسي بات يشعر بأنه أمام محاولة للاستئثار بالحكم، تمنح جل الصلاحيات الإدارية لمديرين تابعين لـ«الحرس»، وهو ما يهدد بهيمنة عسكرية على مفاصل الدولة، مضيفا أن الصراع بين أنصار رئيس الجمهورية، ومعظمهم من الذين اتى بهم الرئيس الإيراني من مشهد إلى طهران، من جهة، والأصوليين «أنصار الحرس» في فريق رئيسي الاقتصادي، بات على أوجه، وسط ملامح لإمكانية خروجه عن المألوف، بعد تعدي الاشتباكات اللفظية إلى تحريك أجهزة أمنية، من قبل «أنصار الحرس»، ضد «تيار مشهد».وبين أن أنصار رئيسي نشروا وثائق عن الرواتب التي يتقاضاها المديرون الموالون لـ«الحرس» في الحكومة بالتلفزيون الرسمي منذ 4 أيام. وكشف «تيار مشهد» أن بعض المديرين من الموالين للجهاز العسكري يحصلون على رواتب تعادل 90 مرة راتب الموظف العادي في شركات ومؤسسات حكومية، الأمر الذي أغضب هؤلاء ودفعهم إلى الرد بهجمات مضادة، مع رفض تسليم لوائح بالرواتب التي يتقاضاها كوادر «الحرس» السابقة في مؤسسات وشركات شبه حكومية، ويعتقد أنها تصل إلى أضعاف مضاعفة للرواتب في الجهاز الحكومي.
وأشار إلى أن الرئيس الإيراني أمر بإيقاف دفع رواتب كل الموظفين الذين يتقاضون الرواتب من أجهزة مرتبطة بالحكومة، ما لم تقم هذه المؤسسات بالكشف عن حجم المعاشات التي يتقاضاها موظفوها، والإعلان عبر لوائح رسمية عن الرواتب التي يتم دفعها للموظفين.في المقابل، هدد الأصوليون الموالون لـ«الحرس» في البرلمان باستجواب وزير الاقتصاد وإسقاطه إلى جانب عدد آخر من وزراء الحكومة إذا أصر رئيسي على قراره بشأن الرواتب.
تصاعد الاحتقان
وحسب المصدر، فإن حالة الاحتقان وصلت إلى أعلى درجة، أمس الأول، بعد أن وافق مساعد الرئيس رئيس منظمة الطاقة الذرية محمد إسلامي على طلب وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، ونائبه علي باقري كني، حل الخلاف مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية، والسماح لها بتركيب كاميراتها المعطلة في منشآت تسا بمدينة كرج. وأضاف المصدر أن أنصار رئيسي حصروا مشاريع تابعة لمحسوبين على «الحرس»، يستفيدون من خلالها من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وشمل الحصر لوائح ضمت أسماء نواب من «مجلس الشورى» الحالي يتقاضون أموالا تدرها تلك المشاريع. وتظهر مواقف هؤلاء النواب معارضتهم للتوصل إلى أي تفاهم بشأن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات خلال المفاوضات الدائرة حاليا في فيينا، أو حلحلة الخلافات بين إيران ودول الخليج، وتم إحالة التقرير إلى المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة، وإثر ذلك طرد المرشد مساعده التنفيذي المقرب وحيد حقانيان، وهو عقيد سابق في «فيلق القدس»، بسبب تضامنه مع «تيار الحرس»، ومحاولته إخفاء «المعلومات الصادمة».أخطبوط عسكري
وأوضح المصدر أن رئيسي أكد للمرشد «أنه إذا أراد أن تتم حلحلة مشاكل البلاد الاقتصادية فعليه أن يعطيه الضوء الأخضر لمواجهة الفاسدين أيا كانوا وقطع رؤوسهم، وإلا فإنه حتى لو قامت الولايات المتحدة برفع العقوبات فإن المشاكل الاقتصادية للبلاد سوف تستمر لو استمر الاخطبوط العسكري في السيطرة على النشاط المالي والتجاري والسياسي والإعلامي».الجدير بالذكر أن إيران تحتضن عشرات المؤسسات والشركات التي تعتبر رسميا غير حكومية وخاصة، لكنها تعمل تحت نظام تابع لإحدى المؤسسات الحكومية، وتقبض ميزانيات من الموازنة العامة، وتعتبر تلك الشركات كيانات شبه حكومية، ومعظمها تابع لـ«الحرس» أو «بيت المرشد» أو كبار رجال الدين، وتقدر عوائد تلك المؤسسات بمئات المليارات من الدولارات، لكنها معفاة من الضرائب والمحاسبة، وعموما تشكل عدد كبير من تلك الكيانات إبان فترة حكم الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، لكي يعطي امتيازات للمحاربين القدامى بعد فقدانهم أعمالهم عقب الحرب العراقية.ومنذ وصول الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى السلطة حاولت الحكومات المتعاقبة أخذ ضرائب من هذه المؤسسات، لكنها لم تنجح. وحاول الرئيسان التاليان مواجهة المؤسسات الموالية لـ«الحرس الثوري»، لكنهما وجدا أن المؤسسات تحولت خلال عقود إلى «شبكات مافيا» تمول عددا كبيرا من الأجهزة الإعلامية ونواب البرلمان، إضافة إلى علاقتها بالأجهزة العسكرية والأمنية.ويعتبر أكثر من 70 في المئة من نواب البرلمان من الموالين لـ«الحرس الثوري»، إضافة إلى سيطرة تياره المدني على عدد من الوزارات السيادية في الحكومة، مثل النفط والداخلية والأمن والاقتصاد والخارجية، ويتغلل «تيار الحرس» في الهرم الإداري للوزارات، ما يجعل أي وزير جديد عاجزا عن إحداث تغيير حقيقي بإدارة حقيبته، وفي وقت سابق عجز الرئيس السابق حسن روحاني عن تغيير أكثر من 30 في المئة من المحافظين بسبب دعم «تيار الحرس» لهم.والتصور العام لدى عدد كبير من الجمهور الإيراني، الذي انتخب الرئيس الأصولي الحالي، أنه من الأفضل أن يتم تسليم كل أركان الحكومة لـ«تيار الحرس»، كي تتخلص البلاد من الخلافات السياسية الداخلية، لكن يبدو أن رئيسي أيضا بدأ يتصادم مع هذه المجموعة.