نقطة : الدولة في الشارع
عند تدشين تطبيق "سهل" بشّرنا رئيس الوزراء الموقر بأن استخدامه سيخفف من الازدحام المروري، نظراً لتقليله من المراجعات الحكومية الشخصية، وهذا أمر مفهوم، وقد يكون هذا الافتراض صحيحاً نظرياً في النهار، ولكن لم يخبرنا سموه عن الازدحام الليلي اللا إرادي في غير أوقات العمل الرسمية.الناس أحرار داخل بيوتهم، وسلطة الدولة والقانون تبدأ في الشارع، والشوارع شوفة عينكم، الفوضى ضاربة أطنابها وتعيش أزهى عصورها، فلا "الداخلية" تراقب وتضبط، ولا هيئة الطرق تخطط وتنظم وتحاسب، ولا "الأشغال" تواكب الحاجة للصيانة والتطوير، ولا منظومة النقل الجماعي التي يفترض أن تخفف من الازدحام المروري أكثر من تطبيق "سهل" تؤدي عملها كما ينبغي، فشوارع الكويت لا راعي لها أو مسؤول عنها، وتعيش كما يبدو للعيان وفق قانون الغاب، حيث البقاء للأقوى والأقل أدباً، وداخلها مفقود والخارج منها مدهوس أو مقلوب أو مطعون في أحسن الأحوال، والله خير الحافظين، ومن لم يفرمه الباص المستعجل الطائش مات بغيره... تعددت الأسباب والموت واحد.الأمر في جوهره فوضى وعشوائية أكثر من كونه ازدحاماً حقيقياً أصيلاً سببته الكثافة السكانية العالية وحاجة البشر الطبيعية للوصول إلى أعمالهم ومصانعهم بسبب ارتفاع مستوى الإنتاجية والحاجة لكل يد عاملة تبني الوطن ليرتقي فوق الشمم ونكيد بإنجازاته الأعداء، فالشارع ليس إلا انعكاساً واضحاً وجلياً للإدارة الحكومية التي تدير البلاد، والله سبحانه وتعالى عرفوه بالعقل، فإن كان هذا الظاهر أمامنا من أشكال الإدارة، فالله أعلم وأستر عمّا يجري في الإدارات والهيئات الحكومية بين الجدران والغرف المغلقة وينتج عنه قرارات تؤثر في حياة البشر ومستقبلهم.
لا أعلم من ربط بين بناء الجسور والإنشاءات المرورية بمفهوم الحضارة والمدنية لدينا، فزادت الحضارة ولم تخفّ الزحمة، فمن يظن أن بناء الجسور هو الحل السحري الذي سيحل الأزمة المرورية، فعليه أن يتّعظ بالقاهرة ونيودلهي، ومن دون حسن إدارة وضبط وحزم ورقابة في إدارة الشوارع لن تستفيد بالنهاية سوى شركات المقاولات الكبرى، وستنتقل الأزمة والفوضى المرورية الراهنة للسير على الجسور "الحضارية"، بعد أن كانت تمشي على الأرض هوناً.