هل تتغير سياسة واشنطن تجاه تايوان بطريقة جذرية؟
تغيّرت الظروف التي كانت تحكم سياسة واشنطن تجاه تايوان في 8 ديسمبر، فخلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أكد إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون أمن المحيطَين الهندي والهادئ، على اعتبار تايوان "نقطة التقاء أساسية داخل أول سلسلة جزر (في غرب المحيط الهادئ)، وفيها شبكة مهمة من حلفاء وشركاء واشنطن للحفاظ على الأمن الإقليمي والدفاع عن المصالح الأميركية المحورية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ".كان راتنر يُركّز في موقفه على منع أي هجوم عسكري صيني ضد الجزيرة، لكن يصعب ألا نفسّر موقفه كانعكاس للفكرة القائلة إن إعادة توحيد تايوان مع بر الصين الرئيسي مسألة مرفوضة في جميع الظروف، فإذا كانت تايوان نقطة التقاء أساسية فعلاً وركيزة للأمن الأميركي في المنطقة، فيجب أن تبقى بعيدة عن متناول الصين، فهمت بكين هذه الرسالة بغض النظر عن نوايا راتنر الحقيقية، لذا من المتوقع أن تُعدّل خططها الاستراتيجية بناءً على هذا الموقف المستجد.بدأت السياسة الأميركية تسير في هذا الاتجاه بوتيرة بطيئة لكن ثابتة منذ سنوات، فتحسّنت مكانة العلاقات الأميركية التايوانية تدريجاً وأُعيد تفسير التزامات واشنطن بسياسة "الصين الواحدة" أمام بكين، فهذه الالتزامات هي التي سمحت بإطلاق العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين في عام 1979، واعتُبِرت هذه الجهود كلها "متماشية مع سياسة الصين الواحدة"، لكن أصبح جوهر تلك السياسة أكثر غموضاً مع مرور الوقت، وجاء موقف راتنر حديثاً ليطرح فكرة جديدة ظاهرياً: بعد التشديد على أهمية تايوان، أضاف راتنر أن "الإدارة الأميركية الجديدة، على غرار سابقاتها، أكدت التزامنا بسياسة الصين الواحدة بموجب "قانون العلاقات مع تايوان" و"البيانات المشتركة الثلاثة" بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية "والضمانات الست" انطلاقاً من هذه الأسباب الاستراتيجية"، لكن متى أصبحت أهمية تايوان الاستراتيجية ركيزة لسياسة "الصين الواحدة"؟ كانت أهمية البر الرئيسي استراتيجياً العامل الذي مهّد لانتقال الاعتراف الدبلوماسي الأميركي من تايبيه إلى بكين.
كذلك، بدا وكأن إدارة بايدن تتجه إلى تغيير خطابها حين تكلمت عن الوثائق التأسيسية لسياسة "الصين الواحدة"، فراحت تُشدد في مناسبات متكررة على "قانون العلاقات مع تايوان" من عام 1979 تزامناً مع الاستخفاف بالبيانات المشتركة الثلاثة أو حتى تجاهلها بالكامل أحياناً. على عكس "قانون العلاقات مع تايوان"، تعكس البيانات الثلاثة تفاهماً ثنائياً مع بكين، لكن لا بد من تذكّر ما تنصّ عليه هاتان الوثيقتان. يؤكد "قانون العلاقات مع تايوان"، كما يذكّرنا المسؤولون دوماً، على أن الولايات المتحدة "ستعتبر أي جهد غير سلمي لتحديد مستقبل تايوان تهديداً على السلام والأمن في غرب المحيط الهادئ، وسيكون هذا الوضع مصدر قلق كبير للولايات المتحدة"، نتيجةً لذلك، يجب أن تحتفظ واشنطن بقدرتها على مقاومة أي نوع من استعمال القوة أو أشكال أخرى من الإكراه إذا كانت تُهدد الأمن أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو الشعب في تايوان"، لكن لم يكن هذا الموقف يُعبّر يوماً عن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، بل كان "قانون العلاقات مع تايوان" في الأصل مُلحَقاً لسياسة "الصين الواحدة"، لا ركيزة لها.في المقابل، تتمحور "البيانات المشتركة الثلاثة" حول "الصين الواحدة" صراحةً، في بيان شنغهاي عام 1972 (بمناسبة رحلة الرئيس نيكسون الشهيرة) وفي بيان التطبيع في عام 1979، أعلنت الولايات المتحدة أنها "تدعم موقف الصين الذي لا يعترف إلا بوجود الصين الموحّدة ويعتبر تايوان جزءاً من الصين"، وقد أضاف بيان شنغهاي أن "الولايات المتحدة لا تتحدى ذلك الموقف"، وفي البيان الثالث حول مبيعات الأسلحة عام 1982، أكدت واشنطن أنها لا تنوي التعدي على سيادة الصين ووحدة أراضيها، أو التدخل في شؤونها الداخلية، أو تطبيق سياسة "الصين المزدوجة" أو "الصين الواحدة وتايوان الواحدة".تتعلق مسألة أساسية اليوم بمعرفة مدى استعداد واشنطن لتغيير موقفها ودعم سياسة "الصين الواحدة وتايوان الواحدة"، بالإضافة إلى اعتبار تايوان "ركيزة" للأمن الأميركي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، اعتبرها راتنر "ديمقراطية ناجحة ومزدهرة"، كذلك، ظهر مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، دانيال كريتنبرينك، إلى جانب راتنر في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، وأعلن أن تايوان "شريكة مهمة للولايات المتحدة" و"ديمقراطية رائدة، وقوة تكنولوجية بارزة، وقوة صالحة".