«درون البنتاغون» تضرب الحرب الأميركية «النظيفة»

تقرير كارثي يكشف عن مقتل آلاف المدنيين بأفغانستان والعراق وسورية

نشر في 20-12-2021
آخر تحديث 20-12-2021 | 00:06
من المعلومات الاستخبارية الخاطئة إلى الأضرار الجانبية الحتمية ومقتل آلاف المدنيين، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقاً قاسياً حول ضربات الطائرات المسيّرة من دون طيّار (درون)، الوسيلة المفضلة للجيش الأميركي منذ 2014 في حربه بأفغانستان والعراق وسورية.

واستناداً إلى 1300 تقرير لوزارة الدفاع (البنتاغون) حول حوادث أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين، حصلت عليها الصحيفة الأميركية اليومية بموجب قانون الشفافية في الإدارات، يشكل هذا التحقيق ضربة لصورة «الحرب النظيفة» التي تجري بـ«ضربات دقيقة» كما يؤكد الجيش الأميركي باستمرار.

وقالت «نيويورك تايمز»، إن «الحرب الجوية الأميركية شابتها معلومات استخباراتية فاشلة وعمليات متسرعة وغير دقيقة لإطلاق صواريخ ومقتل آلاف المدنيين بما في ذلك عدد كبير من الأطفال». وأضافت أنه «لم يشر أي تقرير إلى خطأ أو عقوبة تأديبية».

وبدلاً من الوعود بالشفافية في عهد باراك أوباما الذي كان أول رئيس أميركي يرجح اللجوء إلى ضربات الطائرات المسيرة لتجنب مقتل جنود أميركيين، حل «التعتيم والإفلات من العقاب»، بحسب الصحيفة اليومية التي اضطرت إلى إقامة عدد من الدعاوى القضائية على «البنتاغون» والقيادة المركزية للجيش الأميركي (سينتكوم) للحصول على هذه الوثائق.

وخلال 5 سنوات، شن الجيش الأميركي أكثر من 50 ألف غارة جوية في أفغانستان وسورية والعراق.

واعترف بقتل 1417 مدنياً خطأ في غارات جوية في سورية والعراق منذ 2014. والعدد الرسمي للقتلى في أفغانستان 188 مدنياً سقطوا منذ 2018.

وفي هذا التحقيق الذي استغرق أشهراً، حللت الصحيفة الوثائق التي حصلت عليها وتحققت من الوقائع على الأرض ودققت في المعلومات الرسمية حول أكثر من 100 موقع تعرض للقصف.

والعديد من الوقائع المذكورة كانت معروفة من قبل، لكن التحقيق كشف أن عدد الضحايا المدنيين الذين اعترف بهم البنتاغون «أقل من الحقيقة بشكل واضح».

وتكشف الوثائق أن مدنيين قتلوا في كثير من الأحيان بسبب ميل إلى التوصل لنتائج تنطبق على ما يعتقد المرء أنه مرجح، وفق الصحيفة التي أشارت إلى أن أشخاصاً يجرون باتجاه موقع تم قصفه اعتبروا مقاتلين لتنظيم «داعش»، وليسوا رجال إنقاذ. كما اعتُبر راكبو دراجات نارية بسطاء أنهم يتحركون في «تشكيل» ما يدل على هجوم وشيك.

وتفيد وثائق وزارة الدفاع الأميركية أن 4 في المئة فقط من الأخطاء في تحديد العدو أدت إلى سقوط مدنيين. لكن التحقيق الميداني الذي أجرته الصحيفة يدل على أن نسبة هذه الحوادث تبلغ 17 في المئة سقط خلالها ثلث القتلى والجرحى المدنيين.

وكان للعوامل الثقافية أيضاً تأثير كبير. فقد اعتبر العسكريون الأميركيون أنه «لا وجود لمدنيين» في منزل كانوا يراقبونه خلال أحد أيام رمضان، بينما كانت عائلات عدة نائمة أثناء النهار في داخله خلال شهر الصوم للاحتماء من الحر.

وفي أغلب الأحيان، ساهمت صور رديئة أو عمليات مراقبة لمدة غير كافية في الضربات التي أدت إلى سقوط مدنيين. كما أنها كبحت محاولات التحقيق. وأكد الجيش الأميركي «صدقية» 216 من أصل 1311 حالة درستها الصحيفة.

ورفضت تقارير متعلقة بسقوط ضحايا مدنيين لأنه لم تظهر في مقاطع الفيديو جثثٌ تحت الأنقاض أو لأنها لم تكن طويلة بما يكفي لاستخلاص نتائج.

وبين الوقائع الواردة، ضربات نفّذتها قوات خاصة أميركية في 19 يوليو 2016 استهدفت ما كان يعتقد أنها ثلاث مناطق في شمال سورية يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية للتحضير لهجماته. لكن الضربات أسفرت عن مقتل 120 مزارعاً وقروياً.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية بيل أوربان، قوله، إنه «حتى بوجود أفضل التقنيات في العالم، تحدث أخطاء، إما بسبب معلومات خاطئة أو تفسير خاطئ للمعلومات المتوافرة». وأضاف: «نبذل أقصى جهودنا لتجنب الإضرار، ونحقق في كل القضايا التي تتمتع بصدقية ونأسف لكل خسارة في أرواح أبرياء».

في مثال آخر، نفّذت ضربة في نوفمبر 2015 في منطقة الرمادي في العراق بعد رصد رجل وهو يجرّ «غرضاً مجهولاً وثقيلاً» إلى موقع تابع لتنظيم «داعش». وتبيّن في تقرير أعد بعد مراجعة أن الغرض كان طفلاً قُتل في غارة.

وأخيراً، اضطرت الولايات المتحدة إلى التراجع عن تأكيدها أن سيارة دمرتها طائرة مسيّرة في أحد شوارع كابول في أغسطس كانت محمّلة بقنابل. وتبين لاحقاً أن ضحايا الضربة كانوا 10 من أفراد عائلة واحدة.

ويشير التقرير إلى أن عدداً كبيراً من المدنيين الذين أصيبوا في ضربات أميركية وبقوا على قيد الحياة يعانون إعاقات تتطلب علاجاً مكلفاً، وأن أقل من 12 منهم تلقوا تعويضات مالية.

وقبل شن ضربات جوية يفترض أن يدقق الجيش في تقارير مفصلة لتقدير وتقليل الوفيات بين المدنيين. لكن المعلومات المتوفرة يمكن أن تؤدي إلى أخطاء. وأكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية أن مخططي الحرب الجوية يبذلون أقصى جهودهم في ظل ظروف بالغة الصعوبة.

وأضاف: «لكن في كثير من الأوضاع القتالية حيث يواجه المستهدفون تهديدات عديدة موثوقة ولا يملكون متسعاً من الوقت، يمكن أن يؤدي ضباب الحرب إلى قرارات تفضي بشكل مأساوي إلى إلحاق الأذى بالمدنيين».

ورأت الصحيفة أن «ما يظهر في نهاية الاطلاع على أكثر من 5400 صفحة من الوثائق، هو مؤسسة تقبل بأن تكون هناك أضرار جانبية حتمية».

back to top