على طول الخط بقي الوافدون، الحلقة الأضعف في كل القرارات التي تطولهم على اعتبار أنهم لا يمثلون مصالح فئة معينة أو نفوذا ما، بل هم "مأجورون"، حتى القوانين التي قد تعطيهم نوعاً من الاطمئنان يتم القفز عليها بسهولة ممن استهان بحقوق البشر، فالثقافة السائدة عند البعض تجاه الوافدين للأسف يتم شحنها بصورة لا تمتّ للإنسانية ولا لاحترام الحقوق بشيء، فبعض الناس أدمن استخدام اللجوء إلى لغة الكراهية والتحريض، ظناً منه أن الشارع يريد هذا النوع من الخطابات الشعبوية، ومنهم من تكسب سياسياً في مواسم الانتخابات، وركب الموجة وتفرغ إلى هذه "المهمة الوطنية"، ولم يعد لديه شيء يقوم به، غير النفخ والتحريض على الوافدين.جزء من المشكلة أنه تم وضع الوافدين كلهم في سلة واحدة، يعني بالكيلو، طالما أنك وافد فأنت موضوع في هذا الإطار، ولا تستطيع الإفلات منه، أيا كان موقعك ووظيفتك ومستواك التعليمي والثقافي، وللأسف تم تصوير الحالة وكأن هناك مجموعتين تتقاتلان وتتصارعان ضد بعضهما وبطريقة مخيفة أحياناً، وبالنتيجة يأتي الحصاد المر ليدفع الطرفان الثمن الذي وظفه البعض لمصلحته لا مصلحة بلده... المشكلة أن هذا الموضوع تدحرج شيئاً فشيئاً إلى أن تحول إلى كرة ثلج كبرت وترسخت في الأذهان لدرجة صار من الصعب تصحيحها أو تصويبها.
خطاب الكراهية ضد الوافدين طال معظم مناحي الحياة، وأي مشكلة تحدث اليوم في المجتمع توجه أصابع الاتهام إلى الوافدين وبالجملة وبالكيلو، يعني وضعوا الجميع تحت المقصلة! فإذا تعطلت حركة المرور تسمع أن المشكلة سببها الوافدون، إذا الرواتب تأخرت، يخرج من يقول إن الوافدين "يشفطون" أموال الدولة، وهم ينخرون جسد الوزارات بالوظائف، وإذا مستوى التعليم انخفض قيل السبب هم الوافدون، وإذا الصندوق الكويتي قدم قرضاً إلى السنغال على سبيل المثال، ترى من يحتج ويعترض على ذلك لأن المستفيد دولة فقيرة ونامية، وإذا تبين أن هناك تزويراً في الإقامات تقوم الدنيا ولا تقعد على الوافدين الذين تسببوا بهذا "الوباء" القادم إلى البلاد من الخارج. الخطيئة الكبرى بحق الكويت والوافدين أن يتم تصوير العلاقة بتلك الصورة السيئة، فالوافدون ليسوا ملائكة، وهم في النهاية مجموعات وفئات ومستويات ثقافية وتعليمية مختلفة جاؤوا من بيئات متباينة تماماً، والعلاقة ليست هكذا ولا أحد يتمناها من المحبين للكويت، والأمر لا يخلو من وجود مجموعات فاسدة أو مجرمة، وهذه حال كل المجتمعات البشرية، فلكل قاعدة استثناء، وعليه فلا يجوز التعميم هنا، ووضع الجميع في مستوى واحد، فالقرآن الكريم يفصل في هذا المقام "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، فإذا أقدم بنغالي يعمل في مزرعة بالعبدلي على مخالفة ما أو أقدم على جريمة ما، فليس معنى ذلك أن كل البنغال أو الوافدين يتساوون معه.إذا سارت العلاقة تحت سقف الدولة وتحت سقف القانون وتحت سقف العدالة بحيث تطبق القوانين على الجميع كأسنان المشط، فمن يخطئ يعاقب حسب حجم الخطأ أو الجريمة التي يرتكبها، فإذا تحقق هذا المسار نكون قد خطونا فعلياً نحو علاقة سوية وواضحة ليس فيها تمييز أو ظلم لأحد. أمس كانت الصورة أوضح بالإعلان الشفهي عن تجميد وسحب 750 ألف رخصة للوافدين، هكذا وبدفعة واحدة، تبين أن التضحية بهؤلاء كانت لحساب "مافيا التاكسي" الذين أرادوا الانتفاع من وراء التلاعب "بالوافدين" وبالجملة! صورة لا يتمناها مخلص للكويت، وقد تتكرر بأشكال أخرى وفي مناسبات قادمة إن لم توضع هذه الشريحة على سكة الدولة والقانون والمصلحة الحقيقية للكويت، بعيداً عن التحريض والانتفاع والشعبوية، وهناك أصوات عاقلة ومخلصة من أبناء الكويت وقفت إلى جانبهم وفي مواقع مختلفة وكانت بمنزلة الضمير الحي والمعبر عن صدق العلاقة والمعرفة والدور الذي يقومون به.
مقالات
الوافدون... هم السبب!
20-12-2021