كيف نتجنب الأسوأ في أوكرانيا وتايوان
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
بالحكم من خلال النصوص العامة للمناقشات التي دارت بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتن هذا الشهر، فإن توسع حلف شمال الأطلسي ليشمل أوكرانيا يظل مطروحا على الطاولة، ورغم أن فرنسا وألمانيا ربما تُـبـقـيان على تهديدهما القديم باستخدام حق النقض ضد أي محاولة من هذا القبيل، فقد أكـد مسؤولون أوكرانيون وآخرون من حلف شمال الأطلسي أن اختيار الانضمام يرجع إلى أوكرانيا، علاوة على ذلك، حذر برلماني رفيع المستوى من إستونيا من أن حرمان أوكرانيا من حق الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يرقى إلى مستوى استرضاء بريطانيا لهتلر في عام 1938.مع ذلك، يتعين على القادة الأميركيين الذين يزعمون أن أوكرانيا لها الحق في اختيار تحالفها العسكري أن يفكروا في تاريخ بلدهم الطويل من المعارضة القاطعة لأي تدخل خارجي في نصف الكرة الغربي، وتبلور هذا الموقف لأول مرة في عقيدة مونرو عام 1823، وكان جليا واضحا في ردة فعل الولايات المتحدة العنيفة إزاء تحول فيدل كاسترو نحو الاتحاد السوفياتي بعد الثورة الكوبية عام 1959.في ذلك الوقت، أعلن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور أن "كوبا سُـلِّـمَـت إلى الاتحاد السوفياتي كأداة لتقويض مكانتنا في أميركا اللاتينية والعالم"، وقد أصدر أوامره إلى وكالة الاستخبارات المركزية بوضع خطط لغزو كوبا، وكانت النتيجة الإخفاق التام في خليج الخنازير (في عهد الرئيس جون ف. كينيدي)، والذي أشعل فتيل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.لا تستطيع الدول أن تختار ببساطة تحالفاتها العسكرية، لأن مثل هذه الاختيارات تُـفضي في الأغلب الأعم إلى عواقب أمنية على جيرانها، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، اختارت كل من النمسا وفنلندا تأمين استقلالها وازدهارها في المستقبل بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لأن هذا كان من شأنه أن يستفز الغضب السوفياتي، وينبغي لأوكرانيا اليوم أن تتحلى بالقدر ذاته من الحكمة. القضايا في تايوان مماثلة، إذ تتمتع تايوان بالحق في السلام والديموقراطية بما يتفق مع مفهوم سياسة "الصين الواحدة"، التي كانت حجر الأساس لعلاقات الصين مع الولايات المتحدة منذ أيام ريتشارد نيكسون وماو تسي تونغ، والولايات المتحدة محقة في تحذير الصين من القيام بأي عمل عسكري أحادي تجاه تايوان، لأن هذا من شأنه أن يهدد الأمن العالمي والاقتصاد العالمي، ومع ذلك، مثلما لا يحق لأوكرانيا أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، فليس من حق تايوان أن تنفصل عن الصين.لكن في السنوات الأخيرة، كان بعض الساسة في تايوان يفكرون في إعلان الاستقلال، وتعامل بعض الساسة الأميركيين باستهانة مع مبدأ "الصين الواحدة"، ثم في ديسمبر من عام 2016، بدأ الرئيس المنتخب آنذاك، دونالد ترامب، يعلن العصيان التام على ذلك المبدأ، عندما قـال: "أنا أتفهم تماما سياسة الصين الواحدة، لكني لا أعرف لماذا يتعين علينا أن نلتزم بسياسة الصين الواحدة ما لم نعقد صفقة مع الصين تتعلق بأمور أخرى، بما في ذلك التجارة". بعد ذلك، قرر الرئيس جو بايدن، على نحو مستفز، دعوة تايوان للمشاركة في قمته من أجل الديموقراطية هذا الشهر، في أعقاب دفاع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين عن "مشاركة تايوان القوية" في نظام الأمم المتحدة، ومن الواضح أن مثل هذه التصرفات الأميركية تسببت في تفاقم التوترات مع الصين بدرجة عظيمة. مرة أخرى، ينبغي للمحللين الأمنيين في الولايات المتحدة الذين يزعمون أن تايوان من حقها أن تعلن استقلالها أن يتأملوا في تاريخ أميركا ذاتها، فخاضت الولايات المتحدة حربا أهلية حول شرعية الانفصال، وخسر الانفصاليون. لن تتسامح حكومة الولايات المتحدة مع دعم صيني لحركة انفصالية، في كاليفورنيا على سبيل المثال (ولن تتسامح الدول الأوروبية، مثل إسبانيا، التي واجهت خطر الانفصال الحقيقي في إقليم الباسك وكتالونيا).تفاقمت مخاطر التصعيد العسكري حول تايوان بسبب إعلان الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ مؤخرا أن منطق التحالف سيشمل في المستقبل مواجهة الصين. الواقع أن التحالف الذي أُنشئ للدفاع عن أوروبا الغربية ضد غزو من قِـبَـل قوة أوروبية زالت الآن لا ينبغي إعادة توظيفه ليتحول إلى تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد قوة آسيوية.لا شك أن أزمتي أوكرانيا وتايوان يمكن حلهما بشكل سلمي ومباشر، وينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يستبعد عضوية أوكرانيا تماما، وينبغي لروسيا أن تنبذ أي نية لغزو أوكرانيا، وينبغي لأوكرانيا أن تتمتع بكامل الحرية في توجيه سياساتها التجارية على أي نحو تراه مناسبا، شريطة أن تمتثل لمبادئ منظمة التجارة العالمية. على نحو مماثل، يتعين على الولايات المتحدة أن تؤكد بوضوح مرة أخرى أنها تعارض بشدة انفصال تايوان ولا تسعى إلى "احتواء" الصين، وخاصة من خلال إعادة توجيه حلف شمال الأطلسي، ومن جانبها، ينبغي للصين أن تنبذ أي عمل عسكري أحادي ضد تايوان وأن تعيد التأكيد على مبدأ النظامين، الذي يعتقد كثيرون في تايوان أنه أصبح عُـرضة لتهديد وشيك في أعقاب الحملة القمعية في هونغ كونغ.إن أي بنية عالمية للسلام من غير الممكن أن تكون مستقرة وآمنة ما لم تعترف جميع الأطراف بمصالح الآخرين الأمنية المشروعة، وأفضل طريقة لكي تبدأ القوى الكبرى في تحقيق هذه الغاية هي اختيار طريق التفاهم المتبادل وخفض التصعيد بشأن أوكرانيا وتايوان.* أستاذ في جامعة كولومبيا، ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ورئيس شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.