كنت أقدم محاضرة بعنوان "الكتابة الإبداعية... كتابة العصر"، السبت 27 نوفمبر الماضي، في مركز شباب الدعية بالكويت، عندما سألتني فتاة باهتمام ظاهر: "لماذا لا يكتب الروائي العربي رواية خيال علمي - science fiction novel؟"، مرت لحظة صمت بيننا، كانت الفتاة خلالها تنظر إليَ، وكنت أتأمل أنا في سؤالها الموجع، وما لبثت أن قلت: "لأن الواقع هو جذر أي فكرة أو خيال، ولأن أوضاع أقطار الوطن العربي فيها من بؤس الواقع وعجائبيته ما يغني عن أي خيال، ولأن الكاتب العربي وأيضا القارئ ما اعتادا هذا النوع من الكتابة الروائية!".إن وقوفا متأملا أمام نتاج المشهد الروائي العربي، يعني بشكلٍ أو بآخر فحصا لمشهد الواقع اليومي القائم بيننا، وبكل ما يحمل من تناقضات وآلام، وأي خروج روائي تخييلي فني عن تفاصيل هذا المشهد، إنما يأتي محملا بإسقاطاته التي تحاول جاهدة أن تُضيء وتكشف خفايا ومآسي هذا المشهد، وبما يعني أن الرواية في واحدٍ من أهم تجلياتها؛ هي توثيق فني للواقع.
ورجوعاً إلى تاريخ الرواية في الكويت، فإنها انطلقت بصدور رواية "آلام صديق" للكاتب فرحان راشد الفرحان عام 1948، ثم رواية "مدرِسة من المرقاب" للكاتب عبدالله خلف التي صدرت عام 1962، لكن الدكتور محمد حسن عبدالله، وفي مقال له في مجلة "البيان" الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين في عدد سبتمبر 1989، يعتبر أن رواية "كانت السماء زرقاء" للروائي إسماعيل فهد إسماعيل، التي صدرت عام 1970، وقدم لها الشاعر المصري صلاح عبدالصبور، "هي مرحلة جديدة تأسيسية في الرواية الكويتية"، وكانت ولا تزال رواية لافتة ومدهشة بفنيتها، وأبدا طازجة في قدرتها على تصوير تفاصيل واقعها الفني، وحملها لواحد من أهم عناصر الكتابة الإبداعية، وأعني به رؤية الكاتب حيال قضايا الواقع، ورسالته الضمنية.نعم، إسماعيل فهد إسماعيل (2018-1940) مؤسس الرواية الحديثة في الكويت، لكون كتاباته الروائية التي قاربت الأربعين، تتطابق ودرس الكتابة الإبداعية الأكاديمي العلمي الأساسي، باستيفاء النص الأدبي لكامل عناصره الفنية، كي يستحق أن يُطلق عليه نعت رواية. وإضافة إلى إسماعيل فهد إسماعيل هناك أسماء كويتية نجحت في أن ترسم صورة دالة لمشهد الرواية بالكويت، ومن بينها ليلى العثمان، فاطمة يوسف العلي، وليد الرجيب، سليمان الشطي، حمد الحمد، وتاليا: ناصر الظفيري وباسمة العنزي وبثينة العيسى ومنى الشمري وسعود السنعوسي وخالد النصرالله وعبدالله البصيص وهديل الحساوي وحمود الشايجي وفواز الهاجري. إن الحديث عن المشهد الروائي العربي يأخذنا إلى القول إن الرواية العربية قطعت شوطا كافيا بامتياز، منذ صدور رواية خليل أفندي الخوري "وي... إذن لست بإفرنجي" الصادرة عام 1859، ورواية "زينب" لمحمد حسين هيكل الصادرة عام 1914 كي يُعلن عن وجوده الفني، بوصفه مشهدا إبداعيا ناجزا يُشير إلى خصائص رواية عربية، تتخذ من الواقع جذرا لحكايتها، وتتشكل سجادتها بألوان البيئات العربية، فرواية مصرية يكتبها نجيب محفوظ هي بالضرورة تختلف عن رواية عراقية يكتبها فؤاد التكرلي، وهاتان الروايتان تختلفان اختلافا كاملا عن رواية يكتبها السوري حنا مينا، أو السوداني الطيب الصالح، أو الفلسطيني غسان كنفاني أو المغربي محمد الأشعري أو السعودي عبده خال، وهذه الروايات المكتوبة بأقلام رجالية عربية، تتشابه بيئاتها مع روايات نسائية، كما: للعراقية عالية ممدوح أو اللبنانية علوية صبح، أو المصرية سلوى بكر أو الكويتية ليلى العثمان، أو السعودية أميمة الخميس أو البحرينية فوزية رشيد أو العمانية جوخه الحارثي ومواطنتها بشرى خلفان... إن لوحة الرواية العربية تنطق بخالص عروبتها، وكل كاتبة أو كاتب ينتمي بامتياز لوطنه القومي والبيئة والحيز الجغرافي اللذين يُكتب عنهما، أيا كان النَفَس الذي يكتب فيه. وما يجمع هؤلاء الروائيون، وأقران كُثر من الروائيين العرب، هو أنهم مشوا في درب الكتابة الروائية، وكتبوا عن أوطانهم وشعوبهم!
توابل - ثقافات
«سجادة الرواية العربية» (1 - 2)
20-12-2021