غوتيريش في بيروت وواشنطن تضغط على المصارف
تنطوي زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لبيروت، على اهتمام دولي واضح بلبنان، لكنها لا تتجاوز اعتبارها «تضامنية»، وهي بلا طابع تقريري ولن تخرج بمقررات واضحة. لكن المؤشرات الأساسية، التي يمكن قراءتها منها، هي أن لبنان لا يزال يحظى بالاهتمام الدولي، وخصوصاً شرائح الشعب اللبناني واللاجئين. ويفترض أن يجري غوتيريش، بعد عودته، تقييماً لما حملته زيارته أمام الدول الأعضاء. واللافت في هذه الزيارة اقتصارها على لقاء الرؤساء الثلاثة، وفئات مختلفة من المجتمع المدني والجمعيات النسائية، بالإضافة إلى زيارة تفقدية لمرفأ بيروت ومقر الأمم المتحدة والقوات العاملة ضمن «اليونفيل» في جنوب لبنان.استبقت الولايات المتحدة الأميركية الزيارة بموقف متجدد حول التحذير من فرض العقوبات على المصارف، إذا كانت متورطة في عمليات تبييض أموال أو تهريبها إلى الخارج. هذا الموقف الأميركي يحمل الكثير من المؤشرات للمرحلة المقبلة، وهو أن واشنطن لن تتراجع عن سياستها الضاغطة تجاه لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بفرض المزيد من العقوبات على شخصيات سياسية متورطة بعمليات فساد أو غسل أموال، أو بالتعاون مع «حزب الله».
مثل هذا القرار الأميركي يؤشر إلى فرض المزيد من الضغوط على المصارف لتزويد الخزانة الأميركية بأي معلومات عن حركة الأموال، التي ستكون مشبوهة بالنسبة إلى واشنطن. وهنا تقول مصادر دبلوماسية غربية، لـ«الجريدة»، إن مثل هذا الإجراء ستكون له اهتمامات متعددة أبرزها من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية، والتي لن تسمح فيها واشنطن لأي من الشخصيات المشتبه فيها بلعب دور مؤثر في العملية الانتخابية. وتكشف تلك المصادر أن واشنطن أرسلت رسائل واضحة لعدد من أصحاب رؤوس الأموال المتعاونين مع قوى سياسية تحذرها من الانخراط في أي عملية سياسية من شأنها التأثير انتخابياً، ملوحة بفرض العقوبات عليها.ولا تستبعد مصادر مصرفية لبنانية أن الإجراء الأميركي، القابل لأن يدخل حيز التنفيذ في أي لحظة تجدها واشنطن مناسبة، سيكون لها هدف أبعد قد يشير مستقبلاً إلى احتمال فرض عقوبات على مصارف بكاملها، مما يعني الوصول إلى إغلاقها. وإذا تعرض أي مصرف لمثل هذه العقوبات، التي تعرض لها سابقاً جمال ترست بنك أو البنك اللبناني الكندي، فسيكون ذلك بالغ الخطورة على القطاع المصرفي ككل، وهذا قد يكون مقدمة لانتهاء القطاع بشكل كامل والوصول إلى مرحلة جديدة من إعادة تشكيله، وفق صيغ يتم الحديث عنها تنص على مبدأ دمج المصارف بعضها ببعض.في موازاة هذا التطور الأميركي بشأن المصارف، برز تطور جديد في الخارجية الأميركية، وهو الاستعداد لتعيين السفيرة السابقة في بيروت إليزابيت ريتشارد بمنصب منسقة ملف مكافحة الإرهاب، وهذا مؤشر إلى التكامل بين إجراءات العقوبات، التي تفرضها واشنطن على متهمين بالفساد، مع اتخاذ العقوبات بحق المتهمين بتمويل الإرهاب أو تبييض الأموال بما يخدم الإرهاب، والمقصود هنا هو «حزب الله» الذي تصنفه واشنطن إرهابياً. سيكون لمثل هذه التطورات الأميركية الكثير من الانعكاسات لبنانياً، وسط غياب أي معطى لإيجاد حل سياسي قريب، أو تسوية من شأنها وقف مسار الانهيار.