بوصلة: إحياء تراث الآباء والأجداد
الكويت في بدايات القرن العشرين أسست أول مدرسة نظامية، وبنت أول مستشفى أمريكاني، وصنعت المئات من السفن الشراعية، وجاب بحارتها مختلف الموانئ الخليجية والآسيوية والإفريقية لنقل الركاب والبضائع والمؤن من الكويت وإليها بل إلى دول المنطقة، وقامت ببناء سورها الثالث في عام 1920 بسواعد أبنائها على امتداد 7 كيلومترات، بجدار يبلغ إرتفاعه 7 أمتار، وبعرض 3 أمتار، ويحتوي على 26 برجاً وخمسة بوابات رئيسة، واكتمل بناؤه في أقل من شهرين بموسم الصيف الحار وخلال شهر رمضان المبارك. أما كفاءة البحارة الكويتيين فتخطت الإشادات بهم كل البنادر الخليجية والعربية والإفريقية والآسيوية حتى وصلت إلى العالمية، فهذا الكابتن الليفتينانت ماتيوس قائد البارجة الحربية البريطانية (شورهام) الذي أجرى اختباراً حول الملاحة البحرية لأربعة نواخذة كويتيين، وهم: حسين العسعوسي، وعبدالوهاب القطامي، ومحمد العصفور، وأحمد الخشتي– رحمهم الله- ونجحوا بتميز، وحصلوا على شهادة تفوق من الأسطول البريطاني في عام 1938. وفي السنة نفسها سجل القبطان الأسترالي آلن فاليرز إعجابه بالبحارة الكويتيين أثناء رحلته على ظهر البوم (بيان) بقيادة المرحوم النوخذة علي النجدي، وألف فيهم كتاباً أسماه «أبناء السندباد»، وأبدع الأساتذة والقلاليف في صناعة السفن بمختلف أحجامها حتى نالوا أعلى الأوسمة الملكية البريطانية، وأفضل تكريم من الرئاسة الأميركية.
واستمروا في إبهار الخبراء العرب والأجانب حتى بعد أن انضموا لمؤسسات الدولة الحديثة التي ساهموا في تأسيسها كالميناء وخفر السواحل والإطفاء البحري وشركة الناقلات بعد توقف السفر الشراعي والغوص على اللؤلؤ وظهور النفط، وتسارع التطور العمراني الذي لم يواكبه تحول اجتماعي وثقافي يحفظ للدولة تراثها المهني الذي كان مصدر دخلها قبل النفط. هذه الإنجازات التاريخية والأرقام المذهلة التي تدل على كفاءة ومهارة الكويتيين آنذاك ومدى مساهمتهم الفعالة والمباشرة في تنوع اقتصاد بلدهم الذي كان قائماً على الصناعة واستيراد مختلف البضائع والمنتجات وإعادة تصديرها للدول المجاورة، لا يتم ذكرها بالتفصيل في مناهجنا التعليمية، لذلك من الضروري أن نعيد إحياء تراثنا الوطني في مناهجنا التعليمية وبرامجنا الثقافية وفي وسائل التواصل الاجتماعي حتى نغرس في عقول وقلوب أبنائنا الانتماء لتراب الوطن وتراثه الذي سطره الآباء والأجداد المؤسسون للمدرسة المباركية، البناؤون لسورها الشامخ، المتقنون لتجارة نقل البضائع والمؤن، المبدعون في صناعة الأبوام والسفن، البارعون في قيادتها عبر الأمواج والمحن.