انتخابات هونغ كونغ المزورة
تستعد هونغ كونغ لتنظيم انتخابات مجلسها التشريعي بعد سنة من التأجيل، ومقارنةً بالتبادلات الشرسة بين الناخبين خلال الانتخابات السابقة، يبدو الناخبون هذه المرة غير مهتمين بهذا الاستحقاق، حيث تنتشر الحملات التي تدعو الناس إلى المشاركة في التصويت في جميع أنحاء المدينة، لكن يحمل الرأي العام على ما يبدو موقفاً بارداً ومتحجراً من هذه الانتخابات.بعد اعتقال مئات السياسيين الداعمين للديموقراطية أو نَفْيهم من البلد، يتراجع عدد المرشحين الذين يتمتعون بالجرأة الكافية للترشّح، ومع ذلك، تجاوز مرشّحون يعتبرون أنفسهم سياسيين داعمين للديموقراطية مرحلة التدقيق الحكومي، لكن لم يقنع أيٌّ منهم الناخبين بدعمه الصادق للقيم الديموقراطية، وعلى نطاق أوسع، يشكك الناخبون المؤيدون للديموقراطية بإمكانية استعمال أي مقاعد مكتسبة في المجلس التشريعي كطريقة استراتيجية لترسيخ الديموقراطية في هونغ كونغ، ومن المتوقع أن تكون أصوات المعارضة أكثر ضعفاً في المجلس في ظل النظام الانتخابي الجديد، وسيصبح المشرّعون الداعمون للديموقراطية مجرّد شخصيات صُوَرية تفتقر إلى أي نفوذ سياسي حقيقي.ذهبت الحكومة إلى حد تعديل القوانين لتجريم تأييد مقاطعة الانتخابات أو تشجيع الناس على وضع ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع، وقد أصدرت وكالة مكافحة الفساد في المدينة مذكرات توقيف بحق مشرّعين سابقين ومستشارين محليين يقيمون في المنفى بعدما دعوا إلى مقاطعة الانتخابات عبر الإنترنت، كذلك، اعتُقِل عدد كبير من سكان هونغ كونغ بعد نشر مواقف هؤلاء السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وغداة هذه الجولات من الاعتقالات، لا يعرف سكان هونغ كونغ اليوم إذا كانوا سيتعرّضون للاعتقال أو الغرامات إذا قرروا التعبير عن رغبتهم الشخصية بوضع ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع أو الامتناع عن التصويت، حتى رئيس وكالة مكافحة الفساد يعجز عن تقديم تفسير دقيق للقانون الجديد.
لكن رغم التهديد باتخاذ إجراءات قانونية بحق الناس، تتراجع رغبة سكان هونغ كونغ في المشاركة في هذه "الانتخابات المُحَسّنة"، فقد قرر أكثر من ثلث الناخبين عدم التصويت، ولم يتخذ ربعهم قراره النهائي بعد، بذلت حكومة كاري لام جهوداً مكثّفة في اللحظة الأخيرة لتشجيع المواطنين على الذهاب إلى مراكز الاقتراع في يوم الاستحقاق الانتخابي، لكن تزيد قناعة الناس بتزوير الانتخابات كلما أصرّ المسؤولون على مشاركتهم.وبما أن المشاركة في التصويت ستكون مرادفة لدعم نظام التزوير، بدأ سكان هونغ كونغ الداعمون للديموقراطية يشجّعون بعضهم على القيام بنشاطات أخرى في يوم الانتخابات، فيتكلم مستخدمو الإنترنت مثلاً عن الاستفادة من عروض النقل العام المجاني في ذلك اليوم للذهاب في عطلة، أو التصويت لأفضل أغنية كانتونية أو مغنّ أو فرقة موسيقية خلال حفل الجوائز السنوي الذي تستضيفه إذاعة محلية. باختصار، يستعد عدد كبير من الناخبين في هونغ كونغ للامتناع عن التصويت كشكلٍ من الاحتجاج. تحاول السلطات في بكين وهونغ كونغ تأمين أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات لإثبات استمرار الوضع الطبيعي في المدينة، لكنها لا تستطيع الاعتراف بأن خطتها الانتقامية ضد القوى الداعمة للديموقراطية أنتجت ظروفاً محرجة تضمن تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات، وكلما أصرّت هذه الجهات على استعمال الحِيَل لتشجيع الناس على التصويت، زادت قناعة الناخبين في هونغ كونغ بحصول تلاعب في الانتخابات.لقد تحوّل هذا الاستحقاق الانتخابي إلى اختبار آخر للمقاومة في هونغ كونغ، فبعدما اضطرت معظم الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني الداعمة للديموقراطية للتفكك، ستكون نسبة المشاركة في الانتخابات وعدد الأصوات الاحتجاجية من أبرز المؤشرات على توجّهات سكان هونغ كونغ في هذه الحقبة التي تفتقر فيها المدينة إلى زعيم حقيقي، فهل ستبقى نزعة الشعب إلى التمسك بقيم الحرية والديموقراطية قوية بقدر ما كانت عليه في عام 2019؟