زمن اللجوء المطلق
تعد الهجرة من أقدم وأهم الظواهر المحركة للبشرية في العالم، وتتحكم فيها، خصوصاً عندما تكون جماعية، عوامل جاذبة وأخرى طاردة، والأخيرة هي الأكثر تأثيراً في حركة المجتمعات، وانتقالهم من موقع جغرافي إلى موقع آخر، لا يختلف في ذلك المجتمع الكويتي، الذي هو مجتمع مهاجرين، سواء بقدوم "العتوب"، أو من جاء بعدهم.حركة التاريخ الاجتماعي تتبع مسارات الهجرة، حيث غيّرت شعوب العالم مكان وجودها مرات ومرات. وقد بات واضحاً أنه منذ تأسيس الدولة القومية "الرباعية"، وتأسيس الحدود، صارت الهجرة أكثر تعقيداً، وربما أكثر دموية.ولأهمية ظاهرة الهجرة، صار 18 ديسمبر يوماً عالمياً للمهاجرين، ومثله اليوم العالمي للجوء 20 يونيو، كما ارتبط به الاتجار بالبشر، الذي تحوّل إلى عقدة مضافة للفقراء المهمشين في العالم.
هناك ما يقارب 281 مليون مهاجر دولي، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة لسنة 2022، وهناك ما يزيد على 80 مليوناً بين لاجئ قسري، ومهاجر، بواقع فرد واحد من كل 35 شخصاً في العالم، وفرد واحد من كل 95 شخصاً يتم تهجيره قسرياً، نصفهم تقريباً مهجرون داخلياً. ومع حلول كل شتاء، يدق ناقوس المعاناة بالبرد القارس، والخيام المبللة بلا أسقف، ولا غذاء، ولا دواء. تدير شؤون اللاجئين والمهاجرين أممياً مفوضية اللاجئين، التي بدأت بميزانية 300 ألف دولار، سنة 1950، أما اليوم فتزيد على 9 مليارات دولار، وهو مؤشر على حجم المشكلة، واتساع الألم، وتفاقم المأساة، فأعداد اللاجئين في ازدياد. لم يكن المهجرون داخلياً، وعديمو الجنسية، معتمدين ضمن اختصاص مفوضية اللاجئين، فتمت إضافتهم مؤخراً.ومع اختلاف ظروف كل مشكلة، حيث إن أغلب مآسي قضية اللاجئين والنازحين ناتجة عن نزاعات مسلحة دولية أو إقليمية، تهدد الأمن والاستقرار، وتحتاج إلى تسويات سياسية. إلا أن انعدام الجنسية تحديداً هو الأكثر وضوحاً، والأكثر قابلية للحل بقرارات داخلية، مثل مشكلة البدون في الكويت، والتي تصر الحكومة على إنكار وجودهم، وأن لديها حلولاً، وما لديها إلا السراب، والرهان على أن الزمن سيحلها، لكنه لن يؤدي إلا إلى تفاقمها، وزيادة المعاناة، في حين أن الحلول معروفة، وقابلة للتنفيذ، بما يتضمنه من الحفاظ على كرامة البشر، وأمن البلاد واستقرارها، ولكن لا أحد يريد أن يسمع.