سقطت الصفقة التي سعت القوى السياسية اللبنانية إلى إبرامها. تلك الصفقة وصفتها مصادر دبلوماسية غربية وعربية، تحدثت لـ«الجريدة»، بأنها «كانت تسعى للانقضاض على الشعب وإجهاض أي أمل بالتغيير، وهي مشوبة بشوائب كثيرة تدفع القوى السياسية إلى الالتقاء على مصالحها، رغم اختلافاتها».

ولو حصلت هذه الصفقة، للجأت بعض الجهات الدولية إلى فرض عقوبات على شخصيات بارزة. وربما كان التلويح الدولي، لاسيما من الأميركيين والفرنسيين، هو الذي حال دون إتمامها.

Ad

ومن أول تجليات سقوط الاتفاق، فشل المجلس الدستوري في اتخاذ قرار واضح بطعنٍ قدّمه تكتل لبنان القوي، المحسوب على الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، مما يعني بقاء تعديلات قانون الانتخاب نافذة، وأهمها اقتراع المغتربين لمصلحة 128 نائباً، أي لأعضاء المجلس ككل، لا لتخصيص 6 نواب جدد. وانتخاب المغتربين الكامل، سيعدّ أكبر ضربة لباسيل وتياره، خصوصاً أن 80 ألف مواطن مسيحي سجّلوا للاقتراع، وهؤلاء في أغلبيتهم الساحقة غير محسوبين عليه وسيصوتون لخصومه، مما يعني تضرره إلى حدّ بعيد في الانتخابات ونتائجها مسيحياً.

وشكّل قرار المجلس الدستوري ضربة قاصمة للصفقة، فلم يعد بإمكان باسيل أن يساوم على أي ملف في هذه المرحلة، بينما تقول مصادر سياسية متابعة إنه ربما سيكون مستعداً لتصعيد سياسي، وهو حتماً يلوم حليفه «حزب الله» الذي لم يتخل عن دعمه لرئيس مجلس النواب نبيه بري. هذه التطورات تضع العلاقة التحالفية بين الحزب والتيار في مأزق حقيقي، أو تحدٍّ وجودي، وأصبح على باسيل أن يختار بين استمرار الوقوف ودعم القاضي طارق البيطار، أو العلاقة مع الحزب. وليس عون ولا باسيل من الأشخاص الذين يستسلمون بسهولة، وستكون الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة أمام المزيد من التصعيد السياسي والقضائي.

ما يريده عون وباسيل أبعد بكثير من الانتخابات النيابية وموعدها، فكان باسيل يطمح لإجراء تغييرات قضائية شاملة في مختلف المواقع القضائية في الدولة، كما يتهمه خصومه السياسيون بالسعي إلى تعيين 61 مسيحياً في مواقع إدارية ووزارية ودبلوماسية وقضائية وأمنية مختلفة. كان يسارع إلى الاتفاق على التعيين قبل موعد الانتخاب، ليسهم ذلك في نجدته انتخابياً، أما بعد الفشل في إبرام الصفقة فيمكن للانتخابات أن تكون مهددة، لأنه حتماً لن يسمح رئيس الجمهورية بالذهاب لاستحقاق يؤدي إلى خسارة التيار الذي أسسه. كذلك لن يسمح «حزب الله» بانتخابات تؤدي إلى خسارته للأكثرية النيابية.

وبالعودة إلى الصفقة، فإنه في الوقت الذي كانت المفاوضات لإبرامها جارية، وُجهت رسائل خارجية رافضة لها. وتكشف مصادر متابعة أنه بعد اللقاء المتوتر، الذي عقد عصر الاثنين الفائت، بين بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وسقوط الاتفاق على اتخاذ قرار تنحية البيطار عن التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب في قضية تفجير المرفأ، التقى ميقاتي مساء اليوم ذاته بوفد من السفارة الأميركية وأبلغه رفضه الانصياع لمثل هذه الصفقة، لاسيما أن الأميركيين كانوا لوحوا بفرض عقوبات على المسؤولين إذا نجحت الصفقة. عادت الأمور إلى المربع الأول، أو إلى نقطة الصفر، وعلى أثر ذلك سيشهد لبنان المزيد من المعارك السياسية، في حين ستبقى الحكومة في إجازة قسرية.

منير الربيع