قال خبراء نفطيون إن النفط هو المصدر الرئيسى للدخل لغالبية الدول المنتجة، لذا فإنه يشكل تحدياً لتلك الدول، ومن أهم المؤثرات على انخفاض الأسعار، الكوارث والأوبئة، أما تأثير الدول المستهلكة على الأسعار فهو محدود، مؤكدين أن تحالف «أوبك بلس» سيظل اللاعب الرئيسي في الأسواق النفطية، وتنظيم الكميات والأسعار.وأشاروا، في لقاءات متفرقة مع «الجريدة»، إلى أن الدولار يعد الملاذ الآمن للعملات العالمية، ومن الطبيعي أن تعتمد الدول المنتجة للنفط عليه، علما بأن اقتصادات هذه الدول تعتمد على الدولار، ومن المستبعد أن تتجه لعملة أخرى.
ولفتوا الى أن تسعير النفط بالدولار لم يعد وسيلة ضغط على الدول المنتجة، لكنه خيار استراتيجي، لأن الدولار هو العملة القوية السائدة لأقوى اقتصاد في العالم، وبالتالي يخدمها أكثر مما يضرها.وقال الخبراء إن العلاقة بين دول النفط الخليجية وتسعير النفط بالدولار علاقة وثيقة، نظرا إلى ارتباط هذه الدول بمصالح سياسية وتجارية مع الولايات المتحدة، وتتأثر هذه الدول كغيرها بالتضخم نتيجة الظروف الراهنة للاقتصادات العالمية.وأضافوا أنه من الممكن أن تكون هناك تدخلات وضغوط سياسية قد تساهم في ارتفاع الأسعار خلال العامين المقبلين الى 100 دولار، وتستقر عليه، خاصة مع استمرار الصراع بين الدول الاقتصادية الكبرى التي تعاني الغلاء الفاحش، وفيما يلي التفاصيل:بداية، أعرب الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، عن تصوره أن أهم مؤثرات أسعار النفط على المستوى القريب هي ظهور الفيروسات الوهمية التي تسبب قلق الأسواق بين الفينة والأخرى، وهذه الفيروسات أصبح من السهل السيطرة عليها من خلال حسن الإدارة وحجب انتشارها، كذلك الانتشار الجغرافي للقاحات وازدياد فعاليتها، إضافة الى ضعف الفيروسات المتحورة، مما لا يسبب القلق الاقتصادي والإغلاقات. وقال إن الثقة بسرعة النمو الاقتصادي أكبر من مخاطر تهديد الفيروس، وقد أدركت شركات الاستثمار ذلك، كما ظهر ذلك في إدارة الفيروس الأخير "أوميكرون".وأضاف أن من المؤثرات السعرية ارتفاع سعر الغاز والتحول الى النفط والفحم، مما جعل أسعارها ترتفع، حيث بلغ سعر طن الفحم أرقاما قياسية.وتابع قائلا: أما النفط فرغم تأرجح أسعاره، فإنها متجه الى 80 دولارا قبل نهايه العام الحالي، وكذلك قرار السعودية لزيادة أسعار خامها الخفيف لآسيا، أعطى الثقة لقوة الطلب على المدى القريب، ومن ثم ثبات الأسعار في الأسواق العالمية.وأشار الى أن العامل الجيوسياسي سيظل مؤثرا من حيث التجاذبات الاقتصادية بين أكبر اقتصادات العالم، الأمر الذي قد يصل الى المناوشة العسكرية في بعض المناطق، وإن لم يظهر تأثيره في المستوى القريب، فالأسعار حقيقة متقلبة، ولكن بتصاعد.
ندرة المعروض
وذكر بهبهاني أنه على المدى المتوسط خلال عامين أو ثلاثة، فإن قلة الاستثمار في النفط من قبل الشركات الكبرى نتيجة ازدياد المخاطرة في استثمارات النفط (التي هي في العادة طويلة الأجل) قد تسبب على المدى المتوسط في ندرة المعروض، مما يثير القلق! ولفت الى أنه من الممكن أن تكون هناك تدخلات وضغوط سياسية قد تساهم في ارتفاع أسعار النفط خلال العامين المقبلين الى 100 دولار، وتستقر عليه، خاصة مع استمرار الصراع بين الدول الاقتصادية الكبرى التي تعاني الغلاء الفاحش.وأوضح أن دور تحالف "أوبك بلس" متوازن والتزام أعضاء التحالف بقراراتها يجعل الأسعار أكثر قبولا وأكثر توازنا.وأعرب بهبهاني عن اعتقاده أن سعر 85 دولارا للبرميل يعد مقبولا عند تحالف "أوبك"، خصوصا لميزانيات الدول المنتجة، لاسيما أنه بعد فشل مؤتمر جلاسكو الأخير لتغير المناخ، الذي أتى في وقت غير مناسب، ازدادت الحاجة إلى الطاقة، فمدد تصفير إنتاج النفط من 2030 الى 2070، كذلك عثرات الائتمان الكربوني، وجدل حجم الاستثمارات والمؤشرات، وتقليص الاستهلاك بدلا من تقليص الإنتاج. وأضاف "هذه كلها عوامل أدت إلى فشل الضابط لمؤتمر باريس للتحول المناخي 2015، فخلال 3 أعوام مقبلة أتصور أن القاع السعري للنفط سيكون بين 80 و90، وسيكون ذلك مقبولا لدى دول تحالف أوبك".وأكد أن بيع النفط باليورو، أو أي عملة أخرى، بدلا من الدولار، ممكن من الناحية الفنية، كما فعلت إيران في أيام العقوبات السابقة، لكن المشكلة تكمن في آلية التنفيذ التي تعد معقدة، لكون أغلبية عملات دول أعضاء "أوبك" مرتبطة بالدولار.لاعب رئيسي
من ناحيته، قال الخبير النفطي، يوسف القبندي، إن "النفط بلاشك شريان الحياة للصناعة والاقتصادات، وسيظل مصدر الطاقة الرئيسي والأرخص المهيمن على الصناعة والاقتصاد، وسيكون حاضراً بقوة في حال تعافت الدول من اثر المتحور الجديد، وستظل الأسعار الحالية هي السائدة مع فرصة الارتفاع في حال تخطي تأثير الجائحة".وذكر: ستظل "أوبك بلس" اللاعب الرئيسي لتنظيم الكميات والأسعار، رغم مقاومة الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى لذلك.وأضاف "يعد النفط المصدر الرئيسي للدخل لأغلبية الدول المنتجة، وسيظل يشكل تحديا لها، ومن أهم المؤثرات على انخفاض الأسعار الكوارث والأوبئة، أما تأثير الدول المستهلكة على الأسعار فمحدود". وأشار القبندي إلى أن الدولار يعد الملاذ الآمن للعملات العالمية، و"من الطبيعي أن تعتمد الدول المنتجة للنفط عليه، علما بأن اقتصادات هذه الدول تعتمد على الدولار، ومن المستبعد أن تتجه لعملة أخرى".ونوه إلى أن تسعير النفط بالدولار لم يعد وسيلة ضغط على الدول المنتجة، ولكنه خيار استراتيجي، لكون الدولار هو العملة القوية السائدة لأقوى اقتصاد في العالم، وبالتالي يخدمها أكثر مما يضرها.وقال إن "العلاقة بين دول النفط الخليجية والتسعير بالدولار وثيقة، نظرا لارتباط هذه الدول بمصالح سياسية وتجارية مع الولايات المتحدة، وتتأثر هذه الدول كسائر الدول بالتضخم نتيجة الظروف الراهنة للاقتصادات العالمية".وأعرب القبندي عن اعتقاده أن العملات المشفرة مثل "بتكوين" لا تصلح للتعامل في الأسواق النفطية، خصوصا للدول الكبرى مثل الصين، والولايات المتحدة، وبريطانيا، نظرا لتقلباتها الكبيرة، وعدم وجود مرجعية أو مصدر رسمي لها، ولم تستخدم تجاريا وعالميا مقابل السلع، "لذلك أرى أنه من المستبعد حاليا أن تكون هذه العملة من الخيارات المتاحة للدول المنتجة للنفط".وأشار إلى أن أسعار الخام ستراوح بين 80 و90 دولارا، وستكون هناك طفرات أعلى في حال حصلت بعض المفاجآت، نظرا لسخونة الأوضاع الجيوسياسية مثل إيران وروسيا وأوكرانيا.قيادة «أوبك بلس»
من جانبه، قال أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت د. أحمد الكوح "إنه من المنصف القول بأن "أوبك بلس" هي من قاد إلى ثبات الأسعار وصعودها بشكل تدريجي إلى مستويات يجب أن تكون عليها، فعند هبوط الأسعار بشكل كبير بدأت "أوبك" خفض الإنتاج إلى أن بدأت الأسعار تتوازن"، منوها إلى تخبط دول مثل الولايات المتحدة، واليابان، والهند، والصين، للسحب من مخزوناتها النفطية.وأضاف أن الأسعار مازالت يشوبها التذبذب، لكون ما يحدث ردود أفعال غير منطقية ومتسارعة في سوق لا يتحمل هذه التذبذبات، لافتا إلى ضرورة معرفة أن السوق النفطي يغلب عليه العاطفة أكثر من المنطق، لكونه سوقا يقاد بتصريح أو اجتماع بسيط، مما يعمل على زيادة أو خفض الأسعار بنسب تصل أحيانا إلى 75 في المئة.وأشار الكوح إلى ضرورة أن يكون الإنتاج متاحا للمستهلكين بحيث لا يكون هناك داع للهلع، مؤكدا أن هذا ما تعمل "أوبك" للحفاظ عليه في الفترات السابقة، متوقعا أن تستمر في نهجها بزيادة الإنتاج، حسب الخطة الزمنية المحددة من أجل اعادة التوازن إلى السوق، وفضلا عن ذلك ستعمل على مراقبة الأسعار للتحكم في أي تذبذب يشهده السوق.وأوضح أن أي دولة تعتمد بشكل مطلق على النفط لدعم دخلها الرئيسي تعتبر تحت التهديد المستمر من تقلب الأسعار، لافتاً إلى أن هناك دولاً حالياً، مثل السعودية والإمارات، تدعو إلى تنويع مصادر الدخل.وأشار إلى أن هناك ضغوطاً عالمية كبيرة سواء كانت سياسية أو إعلامية من أجل زيادة الإنتاج بشكل كبير، متوقعاً زيادة تلك الضغوط في المستقبل على الدول ضمن "أوبك بلس" لزيادة الإنتاج.وعن تسعير النفط بغير الدولار، أفاد الكوح بأن تلك الأفكار تم طرحها في السابق، ضارباً المثل بتفكير بعض الدول بتشجيع عمليات التبادل التجاري كمبادلة بالنفط، مؤكداً ضرورة أن يتم تداول سلعة النفط من خلال عملة قوية، وهذا يتوفر فقط في عملة الدولار.وأعرب عن اعتقاده بأن دول الخليج لن تحيد عن التعامل في النفط بغير الدولار لأنه من العملات المضمونة لفترات طويلة وليست قابلة للتذبذب والتغيير، لافتاً إلى ارتباط سلعة النفط بعقود طويلة الأجل، وعليه يجب الاحتكام إلى نفوط عالمية، والتي تتوفر في خام برنت عالمياً كذلك في الخليج والمتمثل في نفط عمان، وجميعها لابد أن يكون لها عملة موحدة من أجل معرفة ومتابعة عمليات الصعود والهبوط في الخام من خلال عملة واحدة، موضحاً في الوقت ذاته أن الحديث عن تداول النفط بالعملات الافتراضية مثل البتكوين هو رأي غير صائب.المخزون الاستراتيجي
بدوره، قال الخبير النفطي أحمد كرم، إنه بعد تعافي الأسواق النفطية، ومع تلاشي مخاوف فيروس كورونا وتزايد أعداد متلقي اللقاحات وعودة الحياة الطبيعية في العالم وخصوصاً القطاعات الصناعية ووسائل النقل ارتفعت معها أسعار النفط حتى وصلت للحد الأعلى لعام 2021 قرابة الـ 85 دولاراً، لكن سرعان ما انخفضت هذه الأسعار مع طلب الولايات المتحدة استخدام مخزونها الاستراتيجي والموافقة عليه من الرئيس جو بايدن، كذلك مع ظهور المتحور الجديد "أوميكرون"، إذ انخفضت أسعار النفط كثيراً مقارنة بالأسابيع الماضية، وهو ما لاترغبه الدول المنتجة للنفط وخصوصاً "أوبك بلس".وأضاف كرم أنه بناء على ذلك، ربما ستكون اجتماعات "أوبك بلس" المقبلة مطلع العام المقبل بمنزلة الترقب، مبيناً أنه قد يتم إقرار استمرارية كميات الإنتاج الحالية للدول الأعضاء وخارجها، حتى لا تستمر أسعار النفط بالانخفاض الكبير إلا إذا ما تطلب الأمر لاحقاً بسبب ارتفاعها عن المستويات القياسية غير المرغوبة والتي تؤثر على معدلات النمو الاقتصادية.واوضح أن الجميع يترقبون اجتماعات "أوبك بلس" المقبلة وقراراتها لأنها ستؤدي دوراً كبيراً بأسعار النفط في المرحلة المقبلة.وقال كرم: ستظل الدول المنتجة للنفط في "أوبك" مقيدة لإنتاج النفط وأسعاره لأن موازناتها تعتمد كلياً على هذا المصدر المتقلب، فأغلب هذه الدول تحتاج أسعار نفط أعلى من 85 أو 90 دولاراً حتى تتم معادلة موازناتها وهو ما لم نره بالأعوام السابقة، إذ سجلت هذه الدول عجوزات قياسية في موازناتها العامة، وهو ما لاترغب دول "أوبك" بتكراره خلال الأعوام المقبلة. وأوضح أن بعض القرارات المصيرية التي اتخذتها دول "أوبك بلس" بشأن الإنتاج والتحكم بالأسعار وضعت تلك الدول بخانة القوة والحزم إلا إذا تم التدخل من جانب بعض الدول الكبرى بهذا الشأن.من جانب آخر، اعتبر كرم تسعير النفط بعملات مغايرة عن الدولار أمراً يصعب تحقيقه، خصوصاً أن تسعير براميل النفط مازال يعتمد بالدولار، وإن كانت هناك محاولات قليلة للابتعاد عن الدولار كما فعلت إيران بعد فرض الحظر عليها بشأن ملفها النووي والعقوبات عليها إذ لم يكن لهذا الإجراء أثر كبير على الأسواق النفطية أو حتى أعطى دافعاً لدول منتجة غيرها تسلك نفس مسارها. وقال إن الدولار لايزال العملة السائدة لتسعير النفط ومازالت أغلب عملات الدول المنتجة للنفط مرتبطة به وهو أحد أسباب التضخم الحاصل في دول الخليج.وأفاد بأن بيع النفط بعملات غير الدولار ربما يكون قراراً سياسياً أكثر من أنه اقتصادي، فهي الطريقة السريعة للإضرار بالاقتصاد الأميركي لأن النفط وحده يتم التداول فيه ما يقارب الـ 90 مليار دولار يومياً.