يصادف اليوم مرور 45 يوماً على تقديم سمو الشيخ صباح الخالد استقالة الحكومة السابقة، ومضيّ 30 يوماً على إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.وفي حال إعلان التشكيل الجديد، ستكون هذه الحكومة هي الرابعة التي يشكلها رئيس الوزراء الحالي، خلال عامين، بمعدل 6 أشهر للحكومة الواحدة، وستكون هي الحكومة رقم 18، خلال 15 عاماً، بمتوسط 10 أشهر لكل واحدة؛ في مؤشر يعبّر عن حالة من عدم الاستقرار شهدتها الكويت خلال السنوات الماضية، انعكست دون شك على الكفاءة المحدودة أصلا للسلطة التنفيذية في التعامل مع مختلف الملفات؛ لاسيما الاقتصادية.
هل نحتاج الحكومة
لذلك يطرح تأخر إعلان التشكيل الحكومي سؤالاً افتراضياً حول حاجة الكويت - لاسيما اقتصاديا - إلى وجود «حكومة» تدير البلاد! فمع تجاوز الملاحظات السلبية، التي ترافق مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال؛ كالمحاصصة في اختيار الوزراء، أو استخدام المناصب العامة لشراء الولاءات، أو لعب الوزراء دور «موظفين كبار» وليس «رجالات دولة»، فضلا عن غياب برنامج العمل الحكومي الواضح، فإن السنوات الماضية شهدت تراجعا في دور السلطة التنفيذية كمهيمن على السياسات العامة أو رسم الخطط أو اتخاذ القرارات، لدرجة تضاءلت فيها القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تنامت خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية بنهاية عام 2014، وصولاً إلى محدودية آليات التعامل مع تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد، ناهيك بالاستفادة من دروسها.ومن واقع النظام السياسي في الكويت، فإن مجلس الوزراء يمتلك الحصة الأكبر والمرونة الأكثر من آليات التحكم بأوجه الإدارة العامة في البلاد، بل يتحكم أيضا في نظيره (مجلس الأمة) بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي يفترض أن يتحمل كسلطة تنفيذية مسؤوليات أكبر تجاه أي إخفاق أو قصور تشهده الكويت على أي صعيد.انكشاف الحقائق
فخلال السنوات الماضية، كشف العجز المالي الناتج عن تراجع أسعار النفط في العالم حقيقة أوضاع المالية العامة؛ ليس فقط في كونها تحقق فوائض عند ارتفاع أسعار النفط وتسجل عجوزات مع تراجعه، بما يشير الى غياب الإدارة المالية للدولة -وهو أمر قد لا يتحقق هذا العام، إذ إن ارتفاع أسعار النفط منذ بداية السنة المالية في أبريل الماضي الى شهر نوفمبر، الذي شهد رواجا في الأسعار العالمية، لم ينعكس فائضا في الميزانية؛ بل عجزا بنحو 775 مليون دينار- إنما أيضا في الآليات الخالية من أي حلول اقتصادية ذات استدامة، فعجز الميزانية في السياسات الحكومية على المدى القصير يعني استنزافا كاملا لسيولة الاحتياطي العام خلال أقل من 4 سنوات، ثم مبادلة الأصول بالسيولة ومحاولة توريد أرباح الجهات المستقلة الى المالية العامة، وعلى المدى الطويل يعني اتجاها بلا خطة نحو الاستدانة من الأسواق الدولية، أو السحب من احتياطي الأجيال القادمة، مع إبقاء مختلف أسباب العجز والانكشاف على تقلبات أسعار النفط.قضايا صغيرة
بل إن الإخفاق الاقتصادي تمثّل، خلال التراجع الحاد بأسعار النفط أثناء جائحة كورونا، في تقلّص دور الحكومة من كونها راسما ومنفذا للسياسات العامة التي تتطلب معالجات ودقيقة متنوعة للمالية العامة إلى مجرد محاسب في شركة صغيرة مهمته البحث عن آلية لسداد التزامات الرواتب شهراً بشهر، فضلا عن التركيز على مجموعة من القضايا الصغيرة، كالاعتقاد أن تقليص الإنفاق يمرّ من بوابة تقليل «دعم العمالة» لموظفي القطاع الخاص، حتى دون المراجعة الشاملة لأوجه الهدر السنوي المتكررة في الميزانية، أو أن دعم المشاريع الصغيرة يكون بترخيص العربات والكرفانات، مع تناسي معضلات التمويل وصعوبة الحصول على الأراضي، فضلا عن تعقيد الإجراءات والمعاملات بين الجهات المختلفة، أو أن نقل الإطارات من مقبرة «ارحية» إلى السالمي، مع توقّع أن تتمّ عمليات التدوير لنحو 28 عاما يعد إنجازا بيئيا واقتصاديا!مفهوم إدارة الدولة
لا شك في أن مفهوم إدارة الدولة من الناحية الاقتصادية ليست مجرد انعقاد استثنائي لمجلس الوزراء يوم الأربعاء من كل أسبوع لمناقشة المشاريع المتعثّرة، كديباجة ضمن البيان الأسبوعي الحكومي، دون معالجة لأسباب التعثر أو محاسبة المتسببين فيه، أو لاستعراض الخطط المالية الجزئية والكلية كخفض مصروفات الجهات الحكومية بـ 10 في المئة من ميزانية السنة المالية 2021 - 2022، دون بيان مصير أو أثر قرار مجلس الوزراء عام 2020 بخفض مصروفات الجهات نفسها بنسبة 20 بالمئة من ميزانية السنة المالية 2020 - 2021، أو حتى الاهتمام بمشاريع لا تليق بأن تكون ضمن مناقشات مجلس الوزراء كمناقشة مشروع استثمار جسر جابر أو نشر شاحنات الوجبات السريعة (Food Trucks) في منطقة الصبية، أو حتى إنشاء سينما للسيارات، فهذه اختصاصات تتولاها جهات تابعة؛ كبلدية الكويت أو الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.توزير النواب
وحسب المعلومات المتواترة، يتجه رئيس الوزراء الى التوسع في زيادة عدد النواب ضمن تشكيلته الوزارية، وهي فكرة لا غبار عليها نظريا لو اتسقت مع نظام سياسي يسمح بقيام الاحزاب والكيانات السياسية ذات البرامج، التي تثري برنامج عمل الحكومة، لكنها عملياً وفق النظام السياسي الفردي السائد في البلاد، فضلاً عن التجارب السابقة لتوزير النواب، ستؤدي إلى دمار مؤسسات الدولة التي ستستباح للتنفيعات الانتخابية... فتتحول مقاصد المنفعة إلى ضرر مباشر.مهمة الحكومة
كلما ترك مجلس الوزراء القضايا الاقتصادية الجادة، التي تتطلب برامج واضحة بلا انحراف أو متناقضات وآليات تنفيذ وفق جداول زمنية وجدية في المحاسبة وجودة في الإنجاز، كانت الحاجة إلى وجود الحكومة أقل... فأي حكومة في العالم مهمتها الأساسية مواجهة تحديات الحاضر وخفض مخاطر المستقبل، فإن فقدت القدرة على التعامل مع الحاضر والمستقبل كان وجودها كعدمه.