كلنا صفاء زمان
بدايةً نحن مؤمنون بالقضاء الكويتي الشامخ أن ينصف المظلوم ويرجع له اعتباره أمام كائن من كان، فالقضاء ملاذنا الأول والأخير أمام كل معتد، شخصاً كان أم كيانا معنويا، والحمدلله على نعمة القضاء الكويتي وحق التقاضي الأصيل في وطني، وهذا المقال ليس من شأنه أن يتدخل بالقضاء أو مجريات قضية منظورة فيه، لكنه يحلل ويسرد تعليقاً على حادثة أثارت الرأي العام الكويتي، فالحمدلله أولاً وآخراً على سقف الحريات الذي نملكه في صحافتنا الكويتية العريقة. لندخل في صلب الموضوع، فقد شكلت في الأسابيع القليلة الماضية قضية د. صفاء زمان قضية رأي عام في الشارع الكويتي، ولعمري فإنها قضية وطنية مستحقة بامتياز، وعلى إثر تصريحات أدلت بها (زمان) في مقابلة تلفزيونية منذ بضعة أسابيع تبدي فيها رأياً فنياً خالصاً، ثارت ثائرة ديوان الخدمة الذي وجه لها عدداً من الشكاوى ترجمت إلى اتهامات أمن دولة من شأنها إثارة الذعر في المجتمع وهز العلاقات الدولية وهيبة الدولة. نعم، ما قرأتموه صحيح ومن دون أي مبالغة، فقد كان ذلك هو مفاد الاتهامات فعلاً بحسب ما تداولته الصحف المحلية هنا في الكويت، ولمَ كل هذا؟! بسبب رأي فني بحت أبدته (زمان) مفاده أن خوادم حاسوبية في دولة أخرى تحوي بيانات موظفي الدولة، وهذا خطأ وأمر لا يصح لدولة أبد.
بطبيعة الحال فإن الكل يؤمن بصحة كلام د. صفاء، وبأنه فعلاً وجب لبيانات الدول أن تتم وتحفظ داخلها، وذلك حفاظا على سرية البيانات وكينونتها داخل أنظمة الدولة والتي لا يصح لأي كيان أن يطلع عليها (وإن كان داخل الكويت) إلا بموافقة وطلب رسمي، هذا بالإضافة إلى أن (زمان) رئيس جمعية نفع عام تعنى بهذا الشأن وبحكم تخصصها وحسها الوطني، فقد تفوهت بما يعرفه المواطنون الكويتيون أصلاً ومن خلال عدد كبير من تصريحات للمسؤولين والأخبار المحلية (الرسمية والموثقة) كذلك. فنقلاً عن صحيفة الأنباء (19 مايو 2019 ) وهذا على سبيل المثال لا الحصر أنه قد تم صدور مرسوم أميري بالموافقة على "مذكرة تفاهم" بين الكويت ومصر والتي يشرف عليها هيئة القوى العاملة هنا في الدولة، وبتصريح آخر لوزير الشؤون الاقتصادية (آنذاك) في مارس 2019 ، "أن الإجراءات الخاصة بالربط الآلي تسير على قدم وساق". جريدة (الجريدة). كل هذا وتصريحات أكثر بل تعليقات تخص أهمية الأمن السيبراني الكويتي، وكيف لنا نحن في الكويت أن نحمي كل هذه المعلومات من أيدي الشركات والمستفيدين، بل بمن يتاجر بعرق العمالة (الغلابا) المهمشين تحت غطاء محاربة تجارة الإقامات. وقد تكلم في هذا الخصوص سابقا عدد من المختصين بل من ضمنهم أحد أعضاء مجلس الأمة الحالي الدكتور حسن جوهر، وفي إحدى مقابلاته كذلك، إلا أن (زمان) سمت مواقع ومواضع خلل كان في اعتقادها (وعدد من المواطنين) أنها تشكل اختراقا لأمننا السيبراني، وقد كان فعلاً بدهياً جداً أن يتفاعل كل من يستمع لهذه القضية ليس ضد أي بلد (أو كيان خارجي) بل ضد المعنيين داخل الكويت، وكيف لمثل هذه المعلومات أن تخرج من الأساس بما في ذلك معلومات تخص الموظفين وبياناتهم وما شابه. خلاصة القول هنا أن الرأي الفني العلمي مصون دستورياً، ويجب ألا يحاسب صاحبه بل يقدم له الشكر والثناء، والسكوت عما حدث مع (زمان) اليوم هو قبول واقع مر سيكون نتاجه أن يطول كل مواطن (طشار) من هذا الإرهاب ضد العلم والعلماء. على الهامش: جزيل الشكر والعرفان لجمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت على تنظيمها وقفة احتجاجية تضامنية مع د. صفاء زمان، بل إتاحة الفرصة لكل من رغب في مشاركتهم فيها، فاليوم (زمان) وغداً يأتيني الدور أنا وأنت وأنتِ.