في ختام اختبارات الثانوية العامة بالكويت عام 1967، وتحديداً في الخامس من يونيو من ذلك العام، وخلال انهماكنا في الإجابة عن أسئلة اختبار اللغة الفرنسية، خرج المراقب من قاعة الامتحان مُسرعاً، لينخرط في حديث جاد ومسموع مع بقية المراقبين حول أمر مهم، بل غاية في الأهمية، وليعود إلينا طالباً التوقف عن إجابات الامتحان فوراً، حيث صدر قرار وزارة التربية والتعليم (آنذاك) بوقف الامتحانات في الكويت، وإعادتها في وقت لاحق سوف نخطر به في حينه، وطلب منا سرعة المغادرة إلى منازلنا.أصابتنا الدهشة، وتساءلنا: لماذا حدث ذلك القرار غير المسبوق وبهذا الشكل المفاجئ؟ وأتتنا الإجابة والبشرى: إن السبب هو اندلاع الحرب العربية ضد إسرائيل، وبدء تطاير حصونها، وانهيار مدنها كالعهن المنفوش، وتقهقر جيوشها لبدء رحلة زوالها الموعودة! فهللنا وكبَّرنا مع المهللين والمكبِّرين، وهتفنا مع الهاتفين: "يا فلسطين جينا لك"، لأن زمجرة أحمد سعيد عبر إذاعة صوت العرب كانت تُطرب مسامعنا بالأخبار غير الموثوقة، وأن خرافة إسرائيل انتهت صباح ذلك اليوم المجيد، وطائراتها تتساقط بالمئات، كالفراشات الحائرة على الجبهات المصرية والسورية والأردنية، وجلال معوض عبر الأثير المصري يحثنا: "ارفع رأسك يا أخي العربي"، ففجر النصر قد بزغ.
انخرطنا في سن الثمانية عشر عاماً بالتطوع لحمل السلاح للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، وسرنا بمظاهرات طلابية تهتف بسقوط أميركا ووقف النفط عنها، وتحلَّقنا حول المذياع، الذي كان الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار المباشرة في حينه، لنلتهم الأكاذيب، فنزداد طرباً وتضليلاً في كل لحظة من الأيام الثلاثة الأولى للحرب، حتى جاء يوم التاسع من يونيو بكارثة تنحي الرئيس جمال عبدالناصر، مغادراً قيادة الأمة العربية، ومعلناً الهزيمة، ومتحملاً مسؤوليتها بمفرده، لتتصاعد أنات الجماهير العربية، ويملأ نحيبها الآفاق، مطالبة الزعيم بالاستمرار في القيادة والعدول عن التنحي، وممنية نفوسها بأن عودة الزعيم ستحيل الهزيمة نصراً. وهكذا عاد عبدالناصر عن قراره بالتنحي في اليوم العاشر من يونيو، وليحل علينا يوم الحادي عشر منه، مطيحاً بأحلامنا البريئة، ولتصعق مسامعنا مناشدات الجبهات العربية وقف إطلاق النار، لا لتثبيت النصر المؤزر الذي بشرونا به كذباً، أو جني ثماره، بل لإعلان الهزيمة العربية الكبرى، التي اختاروا لنا فيها تسمية ترضي مشاعر الأمة المنكوبة، وهي "النكسة"! التي ذهبت بكرامة العرب وجغرافيتهم وأنهارهم ومرتفعاتهم وصحاريهم لأحضان إسرائيل، حيث كتبت تلك الأيام الستة تاريخ العرب وإسرائيل والشرق الأوسط من جديد بمداد من الدموع، ولتصبح تلك النكسة إعلاناً تاريخياً لأم الهزائم التي تتالت على رؤوس الشعوب العربية منذ الخامس من يونيو 1967 حتى يومنا هذا، ودبّج المنظرون أضابير ومجلدات التبريرات والتفسيرات لأسباب "النكسة"، تاركةً هذه الأمة العربية تلعق جراحها حتى يومنا هذا. وعاد جيل الثانويات العامة بالعالم العربي يتلمس طريقه لاستكمال اختباراته ومزاولة تعليمه والالتحاق بالجامعات المناسبة له، بعد أن قتلت حرب "الأيام الستة" أحلامه العروبية بالانتصار على إسرائيل.صيف عام 1967، بكل ما حمله من مخاض الهزيمة العربية أو "النكسة" كما أسموها، كان امتداداً لافتتاح جامعة الكويت عام 1966 بكليتي الآداب والعلوم بالخالدية، وكلية البنات الجامعية بكيفان، وتلاها افتتاح كليات التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية والحقوق في العديلية عام 1967. وللحديث بقية عن عيال الجامعة الذين كبروا في المقال التالي.
أخر كلام
6/6 : العيال كبرت (1)
23-12-2021