نحن أكبر محتالين في العالم
كل ما جرى في العراق من تغيير في النظام والسياسة وكتابة الدستور والديموقراطية والبرلمان الذي طالما صدّعنا به رؤوس العالم منذ 2003، طلع كذبة كبيرة وكلاما فارغا خدعنا به أنفسنا والشعوب العربية والعالم أجمع، حتى أن أميركا بجلالة قدرها انخدعت بنا، المسكينة صرفت آلاف الملايين من الدولارات وضحت بآلاف من خيرة جنودها في غزوها للعراق وإسقاط نظام صدام حسين، ظنا منها أننا بعد هذا التغيير الجذري ستنصلح حالنا ونركن إلى الهدوء والسكينة ونكف عن إثارة المشاكل والتحرش بالجيران وإشعال الحروب ونتفرغ لبناء بلدنا من الدمار الذي ألحق به منذ عقود، ولكن خاب ظنها وظن كل من راهن على حصاننا الخاسر، وأكلوا على أيدينا أكبر مقلب في حياتهم! وبرهنا لهم وللعالم بالدليل القاطع، أننا مازلنا ومنذ أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، من أكبر الكذابين والمنافقين على وجه البسيطة، ندعي شيئا ونفعل عكسه، نقول كلاما ونعمل خلافه، ندعو الى السلام والشراكة الوطنية ونحن ألد الخصام، ندعي الإسلام ونقطع الرؤوس! ويشرب أحدنا دم الآخر. الشيعي فينا يكره السني ولا يطيق أن ينظر إلى وجهه ويحمله مساوئ التاريخ، وكذلك السني يشعر بالقرف تجاه الشيعي، وهما بدورهما يكرهان الكردي كره الموت ويتمنيان له الدمار والهلاك وسوء العاقبة! وقد جسدنا ذلك الحقد الأسود على أرض الواقع فعلاً وأثبتنا أننا عند كلمتنا، إذا قلنا عملنا وإذا توعدنا فعلنا، فالأعوام من 2006 إلى 2008 قتلنا نحن الشيعة والسنة في العراق مئات الآلاف من بعضنا (على الهوية فقط؛ علي وعمر!) «بالدرّلات» والمثاقب في حرب طاحنة لم يشهد التاريخ مثيلا لها إلا في القرون الوسطى! والعجيب أن محاكمنا لم تصدر حتى اليوم حكما على أحد من مشعلي الفتنة! ومرت عليها مرور الكرام! وكذلك الأمر فيما يتعلق بعتاة المجرمين البعثيين ممن شاركوا في عمليات الإبادة الجماعية بحق شعبنا الكردي من خلال قصفهم بالقنابل الكيماوية للمدن والقرى الآمنة، ودفنهم الأبرياء تحت الأرض وهم أحياء في عمليات الأنفال عام 1988 التي أودت بحياة أكثر من 182 ألف إنسان بريء! وأيضا لم يحاكم المجرمون من قادة البعث ولم تطلهم يد العدالة حتى الآن! وعفا الله عما سلف! وما فعله السنة بالكرد، فعله الشيعة بالمقدار نفسه وربما أكثر، ما إن هيمنت على السلطة واستفردت بالحكم المطلق حتى مارست سياسة التجويع ضدهم وأوقفت ميزانية إقليمهم وقطعت رواتب موظفيهم، وهم على هذه الحال منذ عام 2014! رغم الجهود الجبارة التي بذلها القادة الكرد وعلى رأسهم رئيس الإقليم نيجيرفان برزاني والتنازلات الكبيرة التي أبداها من خلال جولاته المكوكية إلى بغداد بهدف تطبيع الأوضاع ولكن دون جدوى تذكر، ويبدو أن الأحزاب والميليشيات الشيعية مصرة على إخضاع الكرد لأجنداتها الطائفية وإذلالهم!
عنوان دولتنا العتيدة هو «العراق الاتحادي»، أي الفدرالي، والمفروض أن يكون كذلك حسب الدستور الذي كتبناه وفق المادة 119 منه، ولكن لا يوجد غير إقليم واحد وهو في مرمى درونات وصواريخ الميليشيات والتنظيمات الإرهابية!وضعنا أنفسنا في حالة حيص بيص! لا نعرف حتى الآن هل نظامنا السياسي فدرالي برلماني أم دكتاتوري طائفي أم علماني؟ تحكمنا الميليشيات أم الأحزاب أم إيران أم أميركا أم الجن الأزرق؟! اختلط حابلنا بنابلنا، وإذ بنا ونحن في هذه الحالة الهلامية البائسة يظهر تنظيم «داعش» من عمق العدم ليزيد الطين بلة ويضيف تعاسة فوق تعاساتنا، وجاء ليبشرنا بالموت الزؤام وقطع الرؤوس وهدم القرى على رؤوسنا، باسم الله ووفق الشريعة الإسلامية السمحاء! * كاتب عراقي