كيف نتعافى معاً بشكل أقوى في عام 2022

نشر في 24-12-2021
آخر تحديث 24-12-2021 | 00:50
 بروجيكت سنديكيت بصفتي شخصية متفائلة بالفطرة، أرى أن 2021 كان عام التعافي، لم تنتهِ جائحة كورونا بعدُ، ولكن في الأفق يلوح بصيص أمل في غدٍ أفضل في القطاع الصحي والاقتصاد عموماً، فقد نجحت اللقاحات الآمنة الفـعّـالة في خفض معدلات الوفيات الناجمة عن "كوفيد 19"، في حين ساعدت التدخلات المالية من جانب الحكومات في تحفيز النمو الاقتصادي، ولكن يظل التعافي العالمي متفاوتاً، نظراً لتباين الظروف الاقتصادية التي سبقت اندلاع الجائحة، وتغير سياسات التحفيز من بلد إلى آخر.

من المؤكد أن لقاحات كوفيد 19 غيّرت القواعد السائدة، فقد عزز ارتفاع معدلات التطعيم مناعة القطيع، فسنحت الفرصة لتخفيف القيود ودفع عجلة الاقتصاد، ومع ذلك، وبينما بذلت مؤسسات متعددة الأطراف الجهود لضمان التوزيع العالمي العادل للقاحات، لا تزال العديد من البلدان النامية تناضل لتأمين جرعات كافية لمواطنيها، في حين تنشر الاقتصادات المتقدمة اللقاحات بسرعة فائقة، وهذا يرسخ التعافي العالمي غير المتكافئ ويؤدي إلى تفاقم فجوات التفاوت.

ولأن قوتنا مجتمعين محدودة بقوة أضعف حلقاتنا في مكافحة الجائحة، فإن التعاون العالمي يشكل ضرورة ملحة لا سبيل إلى اجتنابها، ولا شك أن كل دولة تريد السيطرة على الفيروس والعودة إلى الحياة الطبيعية، ولهذا، ينبغي للمؤسسات المتعددة الأطراف أن تضطلع بدور أكبر في ضمان تمكين كل البلدان من تسليم برامج التطعيم لمواطنيها دون إبطاء.

نحن في احتياج أيضاً إلى إنشاء نظام إنذار مبكر وتحسين استعدادنا للأزمات- في هيئة موارد، وآليات حوكمة، وعمليات صنع القرار، ومشاركة المعلومات- للتصدي لأي جائحة في المستقبل، وستشكل إدارة التوترات المتكررة بين السيادة الوطنية والحوكمة العالمية تحدياً أساسياً، وكما أظهرت جائحة كوفيد 19، فإن الفشل في القيام بذلك يهدد بإحداث المزيد من الأضرار الكارثية في المستقبل.

أما عن الاقتصاد، فإن البلدان تمر حالياً بمراحل مختلفة من التعافي وتلاحق أنماطاً مختلفة من استراتيجيات ما بعد الجائحة، فيما يتصل بالسياسات والتوقيت، ولكن في عالم شديد الترابط ويضم العديد من الأنظمة المالية والاقتصادية المترابطة رغم اختلافها، يؤثر تخفيف التحفيز في أي بلد على بلدان أخرى، وتجدر الإشارة إلى أن تطبيع السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة، إذا أدير بغير شفافية، فقد يؤدي إلى زيادة التقلبات حدة، ويتسبب في تدفق رؤوس الأموال إلى خارج الأسواق الناشئة على نحو يهدد الاستقرار.

فرضت أزمة كوفيد 19 ضغوطاً هائلة على الموارد المالية العامة في العديد من البلدان النامية، الأمر الذي جعل الحكومات مضطرة إلى التصارع مع مستويات ديون متزايدة الارتفاع في ظل مكافحة الجائحة، ويتعين على المؤسسات المالية الدولية والجهات الدائنة من القطاع الخاص أن تتعاون من أجل ضمان وضع خطة عادلة لتقاسم الأعباء لمساعدة هذه الحكومات، ورغم أن النهج المصمم خصوصاً، الذي توخاه إطار العمل المشترك لمبادرة تعليق خدمة الديون التي أطلقتها مجموعة العشرين كان مفيداً، فإن هذا التخفيف يظل تدبيراً مؤقتاً، ويتعين على المؤسسات المتعددة الأطراف أن تعمل على توفير قدر أكبر من الإشراف والتوجيه لمعالجة مشكلات الديون المتزايدة الحجم التي تثقل كاهل الاقتصادات النامية، والتخفيف من ضائقتها المالية المتفاقمة.

علاوة على ذلك، عندما يبدأ التعافي الاقتصادي بالترسخ، من غير الممكن أن تتكيف سلاسل التوريد العالمية التي تعطلت بفعل الجائحة على الفور لتلبية الارتفاع الحالي في الطلب، فقد تكون المشكلة عارضة، لكنها مكلفة، ولهذا، يجب أن تدفع الجائحة الشركات وصناع السياسات إلى إعادة تقييم سلاسل التوريد العالمية الحالية وتخصيص الموارد، وهي الحسابات التي قد تعمل على توليد الزخم للأسواق الناشئة لاكتساب حصة أكبر من التعافي الاقتصادي العالمي.

في الوقت ذاته، تجاوز الطلب على الطاقة مستويات ما قبل الجائحة، مما تسبب في إحداث ضائقة عالمية، وبعيداً عن الخطر المتمثل في تسبب ارتفاعات الأسعار في تحفيز التضخم، تهدد أزمة الطاقة أيضاً الجهود التي نبذلها لمكافحة تغير المناخ، ومثلها مثل جهود مكافحة الجائحة، لن تنجح تدابير مكافحة الاحتباس الحراري الكوكبي إلا إذا قمنا بتنفيذها معاً وبطريقة متسقة.

اليوم، لدينا الفرصة لإنعاش الاقتصاد ومكافحة تغير المناخ في آن واحد من خلال تعزيز التعافي الأخضر المرن والشامل، ويتطلب اغتنام هذه الفرصة أن نعكف على تصميم سياسات اقتصادية إيجابية للمناخ وتوفير تمويل أكثر استدامة، فعلى سبيل المثال، كجزء من استراتيجية التعافي الاقتصادي في إندونيسيا، قدمت الحكومة برامج لإنشاء أنشطة بديلة تدر الدخل وتحافظ على غابات المجتمعات المحلية.

من المرجح أيضاً، أن تعمل برامج التعافي الأخضر على تمكين النساء، اللاتي تضررن في عموم الأمر بالجائحة وتغير المناخ أكثر من الرجال، ففي العديد من الحالات، تعمل النساء كأدوات للتغيير للمبادرات المستدامة، حيث تحترم إندونيسيا، بوصفها دولة تضم أراضيها واحدة من أكبر مناطق الغابات المطيرة في العالم، التزاماً قوياً وواضحاً بتنفيذ تدابير التعافي الأخضر، وبصفتي رئيسة مشاركة لتحالف وزراء المالية من أجل العمل المناخي، أعتقد بشكل راسخ أن المبادرات الخضراء لا ينبغي لها أبداً أن تكون مجرد تكليفات بلا تمويل.

في عام 2022، ستتولى إندونيسيا رئاسة مجموعة العشرين، كما ستتولى رئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في عام 2023، وهي لهذا قادرة على المساعدة في تحديد الاتجاه الاستراتيجي لهاتين المجموعتين لضمان التعافي العالمي المستدام والمرن والشامل، وعلى وجه الخصوص، يتعين على أعضاء مجموعة العشرين أن يعكفوا على إنشاء إطار عمل مشترك فَـعّـال للتصدي للتحديات العالمية الكبرى في عصرنا، وخصوصاً الوقاية من الجوائح، والتمويل المستدام، وتغير المناخ.

لن يكون أي من هذا سهلاً، ولكن، كما قلت من قبل، أنا متفائلة، فمن خلال توليد القدر الكافي من الإرادة السياسية، أنا على يقين من قدرتنا على التعافي معاً، وبالتالي بقوة أكبر، من أزمة كوفيد 19.

* سري مولياني إندراواتي وزيرة مالية إندونيسيا والرئيسة المشاركة لتحالف وزراء المالية من أجل العمل المناخي.

"بروجيكت سنديكيت، 2021" بالاتفاق مع "الجريدة"

سري مولياني إندراواتي*

back to top