مجمّع لصنّاع الجمال والإبداع في جدة... و«المحتَرَف» أول الساكنين
ماذا يعني أن يفتتح في مدينتك مجمّع متكامل للفنون والإبداع؟ مكان يضم بين جنباته أرقى المؤسسات المعنيّة بالفنون والصناعات الإبداعية، تجتمع كلها في مكان واحد، وتستقطب عشاق الفن ومتذوقيه من داخل المدينة وخارجها، مكان لا يحتفي بشيء آخر سوى الجمال، ونشر الذوق الرفيع، وبث الإيجابية والإلهام!
من جدة... ولها
أما أن تكون المدينة التي تحتضن هذا المجمّع هي مدينة جدة غرب المملكة العربية السعودية، فتلك حكاية أخرى! المدينة التي عشقت الفنون، وعشقتها، حتى تداخلت في جوهر تصميمها، وشكّلت ذاكرتها وهويتها البصرية، وأسهمت في تكوين الذائقة الفنيّة لأجيال متعاقبة من أبنائها وزائريها، مدينة الميادين والتقاطعات والشوارع التي تتزين بأكثر من 600 مجسّم جمالي، صممت على أيدي كبار الفنانين العالميين منذ أكثر من أربعين عاماً، بواجهتها البحرية التي تحتضن نحو 26 منحوتة في أكبر متحف مفتوح بالمملكة.مدينة الرواشين، وسينما الأحياء، والرقصات والأهازيج الشعبية، المدينة التي تطرّزت بميادين "الفلك" و"الدرّاجة" و"الكرة الأرضية" و"الهندسة"، و"الدوارق" و"القبضة"، وميدانَي "التوحيد" و"الآية"، اللذين يتباهيان بجمال الخط العربي وروعة تشكّلاته، وغيرها الكثير والكثير من الميادين والمجسمات والمنحوتات وألوان الفنون والإبداع التي رسمت ملامح "عروس البحر الأحمر"، العروس التي تلبس اليوم أبهى حللها بتدشين هذا الصرح الجمالي المتخصص في الفنون وصناعة الإبداع.
حيّ يحييكم
"حيّ جميل"... "حيّ يُحييكم"... "من جدة ولها"... ثلاث عبارات روّجت من خلالها مؤسسة "فن جميل" للمجمّع الذي دشنته مؤخرا، على مساحة 17 ألف متر مربع، واختارت أن تطلق عليه مسمى "حيّ جميل"، حي: إمعاناً في ترسيخ ثقافة الحياة، وجميل: تأكيداً على قيمة الجمال.ووفقاً لأنطونيا كارفر، المديرة التنفيذية لمؤسسة "فن جميل"، فقد تم تطوير الحيّ، الذي تديره وتشرف عليه المؤسسة، كمجمّع متخصص للفنون ومركز إبداعي للمملكة العربية السعودية. وقد تم تصميمه من قبل المكتب المعماري الهندسي "استديو واي واي"، الحائز عدة جوائز عالمية، وأشارت إلى أن تسميته بـ "حيّ" جاء للدلالة على الطبيعة المبهجة والتعاونية للمجمّع، وعزمه على الجمع بين ألوان متعددة وطيف واسع من التخصصات الإبداعية، موضحة أن الحي يهدف لأن يجمع أبرز العاملين في مختلف تلك التخصصات في وجهة واحدة، حيث يقدّم "سكّان حي" مفاهيم جديدة لمختلف أنواع الفنون، تتنوّع ما بين الفن المعاصر والتصميم، إلى عروض الأداء والفنون البصرية والضوئية وفنون الطهي وليس انتهاء بفنون التحرير الإبداعي والنشر.نموذج «المحتَرَف»
ولو أخذنا مثالاً على المؤسسات الإبداعية المحلية الرائدة، التي تتصدر المجموعة الأولى من سكّان "حي جميل"، يبرز لنا اسم "المحتَرَف السعودي" كأول المؤسسات الثقافية والفنية، التي تنضم إلى هذا المجتمع الإبداعي. وقد عرف "المحتَرَف" كعلامة عريقة لها تاريخها الزاخر بصناعة الإبداع وإبراز جمال الهوية العربية، حيث قام بتأسيسها الفنان العالمي اللبناني كميل حوا إلى جانب فريق من المبدعين في السعودية، وذلك عام 1983م، ويعدّ واحداً من أهم الدور الثقافية في المملكة العربية السعودية، المعنية بأساليب التحرير الاحترافية، والمتخصصة في مجالات التصميم، والعلامات التجارية، وهويات الشركات، وتصميم الكتابات العربية، والمنشورات المطبوعة، والتصميم المكاني، إلى جانب التصميم الجرافيكي المتخصص، والذي يهتم بالتعبير عن التقاليد القديمة بصورة ثقافية ومعاصرة.ترك "المحتَرَف" أثرا محفورا في الذاكرة المحلية والعربية بتصميماته المتميزة وخطوطه الفريدة، فقد صنع على مدى نحو أربعين عاما، نمطا لا يتكرر، في بناء وتصميم الهويات البصرية، ووضع بصمته الخاصة، في الأعمال العظيمة التي نفذها لكبرى المهرجانات السعودية، منها مهرجان سوق عكاظ وكذلك الشركات والمؤسسات. واليوم توسعت رؤية "المحتَرَف" لتصبح دارا للثقافة والنشر والاستشارات، ومجتمعا للفنون، ووجها من وجوه الجمال والإبداع، حيث تشرف حالياً على مجلة القافلة الصادرة عن شركة أرامكو السعودية.الفنون في المركز
و"حي جميل" هو المحضن الأكثر ملاءمة للمبتكرين ورواد الأعمال، وهو الأفق الرحب الذي يجمع الفنانين السعوديين والكتاب المسرحيين والمصورين وصانعي الأفلام وغيرهم مع الجمهور المتحمس لهم، مكان ينتظم فيه "المحتَرَف" مع باقي صنّاع الجمال والإبداع في عقد واحد، مجمّع شامل يحتضن مجالات مختلفة من الفن والثقافة والابتكار.في كلمة ألقتها بمناسبة تكريمها المستحق، في الدورة الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي اختتم مؤخراً، قالت المخرجة السعودية هيفاء المنصور جملة معبرة وعميقة الدلالة، ربما يحسن أن تكون شعار للمرحلة التي تشهدها الفنون وصناعة الإبداع في المملكة هذه الأيام، قالت: "لقد مررنا بفترة لم تكن فيها المرأة والفنون في المركز، اليوم نحن المركز". نعم، فحين اختارت المملكة الانطلاق نحو رؤيتها الحضارية والطموحة 2030 ، جعلت المرأة والفنون في صلب المعادلة، معادلة النماء والازدهار، فالمرأة والفنون صنوا الحياة ومنبع الجمال، المرأة تمنحها، والفنون تعبّر عنها وتحافظ عليها وتبثّها بين الناس.جدة - علاء برنجي
مدينة الميادين والتقاطعات والشوارع التي تتزين بأكثر من ٦٠٠ مجسّم جمالي صممت على أيدي كبار الفنانين العالميين