قال تقرير الشال الاقتصادي إنه ذكر في تقرير الأسبوع الفائت بعض التغيرات المحتملة المؤثرة على المدى القصير على اقتصادنا، مثل تداعيات ارتفاع معدل التضخم العالمي لو تحقق، والعالم يمر حالياً بمرحلة تحول كبرى لم تحدث منذ ثورته الثانية الصناعية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وباستثناء الكويت، معظم دول العالم باتت تتحوط لها.

ووفق التقرير، من أمثلة ذلك كل تحولات الثورة الرقمية، ومن أمثلتها انتقال الثقل الاقتصادي إلى آسيا، بينما كان قد انتقل منها إلى الغرب إبان الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، ومن أمثلتها المهمة والمؤثرة ذلك التحول في سوق الطاقة والضعف التدريجي للطلب على الوقود الأحفوري، والكويت أعلى دول العالم إدماناً على النفط ما يجعل ثراءها ورخاءها مؤقتين واصطناعيين، ومستقبلها على المحك ما لم تعِ خطورته.

Ad

ونعتقد اجتهاداً بأن طريقها إلى مستقبل آمن يكمن في اتجاهين، الأول قصير إلى متوسط الأجل والثاني طويل الأمد، الأول هو بدء سريع وحصيف باستبدال اعتمادها الطاغي على النفط، والأصل الوحيد المستدام حالياً والمتبقي لها، هي مدخرات عصر النفط قبل اقتسامها، والثاني بدء مشروع تنموي لتنويع مصادر الدخل، على المدى القصير إلى المتوسط.

لا بأس من تكرار ما ذكرناه مراراً من ضرورة تغيير وظيفة احتياطي الأجيال القادمة ليتقدم دخله على ما عداه في تمويل الموازنة العامة، وذلك مشروط بضمان عدم المساس بأصله وزيادته تدريجياً لمواجهة متطلبات الضرورة لأكثر من نصف المواطنين ممن لم يدخلوا سوق العمل بعد.

ولا بد أن يتزامن ذلك الفعل مع حرب شعواء على الفساد والهدر حتى تصبح بيئة البلد نظيفة ومهيأة لقبول سياسة ضريبية تتناسب طردياً مع مستويات الدخل ولا تصبح طاردة أو محبطة لتدفقات الاستثمار المباشر، المحلي أو الأجنبي، حتى يتوازن هدف زيادة الإيرادات مع هدف خلق فرص عمل مواطنة مستدامة خارج القطاع العام.

وذلك لن يتحقق ما لم تتبنّ البلد ثورة في قطاع التعليم، ولا يكفي هنا ردم الفجوة الحالية في التعليم العام البالغة 4.8 سنوات، إنما ثورة في مناهج التعليم وأساليبه، فمعظم التخصصات القديمة باتت تاريخاً، ووظائف المستقبل لا تحتاجها، ولضمان الحد من انحراف طغيان الشعبوية لدى جناحي الإدارة العامة، الحكومة ومجلس الأمة، لا بد من تحصين المالية العامة ببرنامج مالي يشمل موازنات ثلاث إلى أربع سنوات، ولا يطاله تغيير، لا ضمنه ولا صرف من خارجه سوى في أحوال الحروب والكوارث.

وعلى المدى الطويل، لا بد من ربط كل ما تقدم بمشروع تنموي، ولسنا بصدد اختيار العناوين له، سواء كانت مركزاً تجارياً أو مركزاً مالياً أو نفطياً أو خدمياً، فالصين استدارت من العدم، ومثلها كثير من النماذج، وهناك أمثلة من الإقليم، ووضع الكويت أسهل بكثير، فلها تاريخ قريب من التفوق والإبداع، ومعظم نماذج العالم الأخرى بدأت بموارد شحيحة، وفي الكويت ما يكفي ويزيد لتمويل استدارتها، وعدد سكانها قليل، بمجمله يبلغ 4.63 ملايين نسمة، وبعدد مواطنين لا يتعدى 1.5 مليون نسمة.

لم تكن مشكلة الكويت في يوم من الأيام قصوراً في الرؤى أو ندرة في الموارد، وهي رغم كل ما حدث لها من تخلف لا تزال تملك كليهما، المشكلة دائماً كانت في فهم تلك الرؤى وإدارة ما لديها من موارد، وما لم نعِ مكمن المشكلة والكويت على مفترق طرق، قد يأتي الزمن الذي لا تنفع معه رؤية أو موارد، فالضرر الناتج عن النهج الحالي لا يقتصر على تآكل الموارد والمالية، إنما ذلك الحال البائس لرأس المال البشري، المتأخر تعليماً وإنتاجاً.